&جمال زهران
&
هذا هو لقاء القمة الثالث بين الرئيسين (عبدالفتاح السيسي، وفلاديمير بوتين)، مرتان فى روسيا، ومرة فى القاهرة، بعد تولى السيسى رئاسة مصر فى يونيو 2014م، أى فى أقل من (15) شهرا التقى الرئيسان ثلاث مرات، وقد سبقها لقاء السيسى وبوتين عندما كان السيسى وزيرا للدفاع بعد ثورة 30 يونيو، وفى عهد الرئيس المؤقت (عدلى منصور)، وبلغة الأرقام المنضبطة فقد التقيا الرجلان أربع مرات فى أقل من عامين.

وفى المقابل فقد التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، الرئيس الأمريكى أوباما مرة واحدة فى نيويورك فى أثناء زيارة السيسى للأمم المتحدة فى سبتمبر 2014م، وهو الأمر الذى يعكس برودا فى العلاقات مع واشنطن، ودفئا مع موسكو.

وقد تشرفت أن أكون ضمن وفد شعبى رفيع المستوى زار موسكو مكونا من (11) شخصية مرموقة، وكان الهدف هو التمهيد لزيارة «السيسى وفهمى» (وزيرا الدفاع والخارجية) وفتح قنوات الاتصال السياسى المخنوق أو المسدودة بفعل نظامى السادات ومبارك على مدى (40)عاما بكل أسف، وهالنى ما سمعته ورأيته فى حوارات عاصفة مع أكبر شخصيات فى موسكو مضطلعة بالشأن المصرى والمنطقة العربية والشرق الأوسط، أن روسيا وقياداتها تحب مصر حتى العشق، وتحترم شعبها وإرادته ومصالحه، وأنه آن الأوان لتصحيح الأوضاع وعودتها إلى ما كانت عليه وأكثر (ومما ذكر من وقائع قوية وجادة، واقعتان مهمتان، الأولي: أنه عندما أصدر الرئيس السادات فى يوليو 1972 قراراته بإنهاء مهمة الخبراء السوفييت دون تشاور، وبشكل مفاجئ ودراماتيكي، بادرنا بالتنفيذ فورا حفاظا على الصداقة مع الشعب المصرى ومصالحه، وتأكيدا أننا أصدقاء واختلفنا، رغم المرارة والحسرة التى شرحوها لنا بسبب هذه القرارات السلبية التى كانت طعنا فى تاريخ العلاقات المصرية ـ السوفيتية منذ عهد عبدالناصر، والثانية تتعلق بمحاولات مبارك طلب لقاء القيادة السوفيتية ثم الروسية، فكان الرئيس السوفييتى ثم الروسي، يستجيب فورا حرصا على تحقيق أكبر مصالح للشعب المصرى من أمريكا، لأن الرئيس مبارك كان يستخدم الزيارة لموسكو للضغط على أمريكا، والروس يعرفون ويقبلون ذلك بدلا من أن يتركوا مصر ورئيسها وشعبها رهينة للأمريكان، فأرادوا بقبولهم هذا أن يحسنوا من وضع المفاوض المصرى فى مواجهة الأمريكيين!

وفى تلك الواقعتين كانوا يبلعون الإهانة العمدية من الرئيسين السابقين (السادات ومبارك) من أجل الشعب المصري، وزعيم الشعب جمال عبدالناصر، الذين يحترمونه ويقدرونه، ولا تخلو جملة من أحاديث أى مسئول روسى إلا وفيها ذكر أو إشارة إلى عبدالناصر ومواقفه، باعتباره رجلا وطنيا يحب بلاده، ويسعى لخدمة شعبها، بل كان مفاوضا عنيدا لأجل شعبه وبلده، فضلا عن أنهم أرادوا للمستقبل أن تتأسس العلاقات المصرية ـ الروسية على أسس متينة لا تقبل التراجع والاهتزاز مرة أخري، كما أنهم يسعون لتقديم كل ما من شأنه تحقيق آمال الشعب المصرى فى ثورتيه ضد الظلم والفساد والإرهاب الديني، وينطلقون فى خطاهم من أرضية احترام الاستقلال الوطني، والإرادة الحرة للشعب المصري، باعتبار أن العلاقة بين الدولتين علاقة شراكة وصداقة وليست علاقات تبعية لدولة صغرى مع دولة كبري!! فضلا عن أنهم يعتبرون مصر دولة كبرى تحتاج إلى مجهود جبار لتجاوز أزمتها، تمهيدا لعودة الدور القيادى لمصر، باعتبارها حجر الزاوية فى تحقيق الاستقلال الإقليمى فى المنطقة العربية والشرق والأسط، بل هى دولة المركز لتحقيق التوازن الإقليمي.

ومن أجل ذلك طرحوا تقديم جميع المساعدات فى جميع المجالات، وفى مقدمتها الكهرباء والطاقة النووية، وإعادة جميع المصانع للتشغيل والتحديث بكامل طاقتها، وفى مجال التسليح أحدث الأسلحة، وفى المجال السياسى دعم مصر فى حربها ضد الإرهاب.. إلخ.

لقد تأكد الموقف الإيجابى الشامل لروسيا تجاه مصر منذ 30 يونيو، وحتى الآن، كما تأكد الحضور الدولى لروسيا مرة أخرى لتكون قطبا منافسا للولايات المتحدة، وعودة نظام ثنائى القطبية المرن الذى يسمح بوجود أقطاب آخرين (الصين ـ أوروبا)، وترجمت روسيا ذلك فى موقفى حماية الدولة السورية ومنعها من السقوط والتفكك والانهيار، وكذلك أوكرانيا وأزمتها الكبري، وكانت مجالا لاختبار توازن القوى بين روسيا وأمريكا وتوابعها، وانتصرت روسيا.

فى الوقت نفسه فإن مواقف الطرف الأمريكى تجاه مصر سيئة، وتعيش أجواء التبعية السياسية التى فرضها السادات بعد انتهاء حرب أكتوبر 1973، وكرسها حسنى مبارك، ورفضها الشعب المصرى فى 25 يناير، ثم 30 يونيو، وأعلنها الرئيس السيسى مدوية فى نهاية خطابه الأول بعد حلف اليمين، بألا تبعية سياسية لمصر بعد الآن، وهى إشارة قاطعة ترجمتها والمواقف والسلوكيات، وآخرها الزيارة الثالثة لموسكو التى تفتح آفاقا جديدة لعودة الدور القيادى لمصر مرة أخري، لذلك فعلى مصر إعادة هيكلة سياستها الخارجية باستكمال الاتجاه شرقا حيث الصين والهند وإيران وكوريا واليابان، لأن مصر كانت عزيزة ذات إراد. سياسية، ومكانة مرموقة بالشرق، وكانت أسيرة وتابعة وخانعة ومقهورة بالغرب الاستعمارى الذى يجدد مشروعه بين حين وآخر. الثورة مستمرة حتى النصر بإذن الله.. وما زال الحوار متصلا.