مشاري الذايدي

ليس من قبيل الخيال العلمي الكلام عن هيمنة الآلة على البشر، أو ما يسمى الذكاء الاصطناعي.


صحيح أن السينما تحدثت عن الأمر بشكل مخيف ومبالغ فيه، أمثال سلسلة فيلم «ماتريكس» أو فيلم «الذكاء الاصطناعي»، غير أن هذه وظيفة الفن أصلاً، وهي المبالغة بغرض توضيح الرسالة وأيضًا بغرض التشويق والإثارة.
ما نراه منذ نحو 15 عاما هو صعود مستمر وسريع لانخراط البشر في شبكات التفاعل الاجتماعي، وأيضًا تغير في سلوكيات الناس القديمة، قبل الخضوع لسلطة هذه الشبكات، وصار من المعتاد جدًا أن ترى عائلة في فسحة خارجية، مطعم أو حديقة، وكل واحد منهم منكب برأسه على شاشة هاتفه الذكي، والهدف أصلا من الفسحة هو تعزيز الارتباط العائلي!
الأخطر هو أن ما حذرت منه السينما بدأ يشق طريقه للواقع حقًا، وإن بدرجة أقل وضوحًا مما تحدثت عنه السينما والروايات.


أعلنت شبكة «فيسبوك» عن وصول عدد مشتركيها لمليار إنسان، ونفس هذه الشركة أعلنت أيضًا عن إطلاق خدمة جديدة، ما زالت تحت التجربة، من خدمات المساعدة الرقمية مثل «آبل سيري»، و«كورتانا» الخاص بـ«مايكروسوفت»، و«غوغل ناو» في خاصية أساسية، وهي أن فائدتها تزيد كلما زادت معرفتها بك، حسب تقرير «بي بي سي»، الذي زاد أن «فيسبوك» قررت اقتحام هذا الميدان من الخدمات الذكية الآلية، وطرحت الخدمة التي يطلق عليها «إم» لبعض المستخدمين في المنطقة المحيطة بمقر الشركة بسان فرانسيسكو.


يوضح ديفيد ماركوس، رئيس خدمة «ماسنجر» للرسائل في «فيسبوك»: «(إم) هو مساعد رقمي خاص داخل خدمة (ماسنجر)، ينجز المهام ويبحث عن المعلومات بالنيابة عنك. ويعمل عن طريق نظام للذكاء الصناعي، يدربه ويشرف عليه بشر». وفي حوار مع مجلة «وايرد»، قال ماركوس إن الهيكل التجاري لـ«فيسبوك» واضح: «فنحن نجمع كل نواياك في ما تريد أن تفعل». لست أدري هل يمكن أن يدخل في ذلك لاحقًا الهوى السياسي للمشترك والتفاعل بالنيابة عنه؟!
خطورة الأمر أن هذه التقنية في حالة نمو وتمدد مستمر، مما يعني تحولا حادا وشاملا في سلوكيات التواصل البشري، مما يترتب عليه تشوهًا في العلاقات الإنسانية، والعيش في عالم مزيف، ناهيك عن المخاطر الأخرى التي ليس من أسهلها فقدان وظائف العمل التي سيحتلها هذا الذكاء الاصطناعي، مما يعني قلاقل سياسية واجتماعية، وأخيرًا فقدان المساحة الخاصة للإنسان لصالح هذه الشركات، حيث إنه كلما أردت الاعتماد أكثر على خدمات الذكاء الاصطناعي فعليك أن تتجرد من كل خصوصياتك، وتبيح نفسك لها.
المزيد من التواصل مضر، مثل القليل منه.