عبدالله بن بجاد العتيبي

نشرت هذه الصحيفة خبر تسلم المملكة العربية السعودية لأحد قدماء الإرهابيين المطلوبين فيها على خلفية تفجيرات الخبر 1996 التي استهدفت بعثةً أميركيةً للتدريب وقتل فيها 116 أميركيًا من سلاح الجو وجرح 372 وهو أحمد إبراهيم المغسل المتهم الرئيسي في العملية والعقل المدبّر لها، والعضو البارز في تنظيم كان يعرف بـ«حزب الله الحجاز».


من قبل أعلنت الكويت عن كشف خليةٍ شيعيةٍ تابعةٍ لحزب الله اللبناني وبتخطيط وتمويل إيراني تراوح بين الداخل والخارج، وهو كشف وصلت إليه الكويت بعد التيقظ الذي قاده الأمير حتى من قبل تفجير مسجد الإمام الصادق، وانطلق فعليًا بعده، وأصبحت الكثير من الملفات أمام تحركٍ جدي ينشد الحفاظ على استقرار الدولة واستمراريتها والحفاظ على الوطن ومكتسباته بعيدًا عن أي حساباتٍ صغيرةٍ هنا وهناك.


كان كشف الخلية الإرهابية الشيعية في الكويت مثيرًا من حيث حجم الأسلحة والمتفجرات التي تم ضبطها وخطورة الشبكة المتعلقة بتلك الخلية والأهداف الكبرى التي تسعى لها داخل الكويت، فالحجم ينبئ أن المقصود لا يمكن أن يكون مجرد عمليةٍ إرهابيةٍ واحدةٍ بل عملياتٍ متعددةٍ مع استخدامٍ واسعٍ للأسلحة فيما يشبه التحضير لاشتباكاتٍ عسكرية مع القوى الأمنية الكويتية.


لقد تعرضت الكويت والسعودية من قبل لعمليات إرهابية شيعية، في الكويت كانت الحادثة الأشهر هي محاولة اغتيال الأمير الراحل جابر الأحمد 1985 والتي خطط لها عماد مغنيه ومصطفى بدر الدين وآخرون من المنتمين لحزب الله اللبناني، وكذلك اختطاف طائرة الجابرية 1988 والتي قادها مغنيه نفسه، وفي السعودية القصة أطول والشواهد أكثر، منذ قيام حجاج إيران بقتل الحجاج في البلد الحرام في الشهر الحرام 1986 وبعدها تفجيرات المعيصم في 1989 وكذلك تفجير الخبر بشاحنةٍ كبيرةٍ من المتفجرات 1996 وفي تفجيرات المعيصم كان غالب الجناة ينتمون لشيعة الكويت.


معلومٌ أن الإرهاب لا دين له ولكنه كذلك بلا طائفةٍ، فليس الإرهاب محصورًا على السنة فحسب بل له لونٌ شيعي فاقعٌ، يجمعه الولاء الكامل لإيران الخمينية، ومع كل ذلك التاريخ في استهداف السعودية والكويت كانت يد الإرهاب الشيعي تعيث فسادًا في مملكة البحرين مرورًا بالميليشيات الشيعية الإرهابية في العراق وسوريا وكذلك حزب الله في لبنان، وصولاً للحشد الشعبي في العراق وميليشيات الحوثي في اليمن.


كل تلك الجرائم التي ترتكبها تلك الميليشيات والتنظيمات والأحزاب الشيعية الإرهابية تمّت بدعمٍ وتخطيطٍ وتدريبٍ ينطلق من إيران الخمينية أي بعد ما يعرف بالثورة الإسلامية في إيران، وهذه العمليات قديمها وحديثها تنطلق من مبدأ الثورة الخمينية، وهو «تصدير الثورة» ومن قبل ومن بعد لم تزل إيران تبث خلايا التجسس والإرهاب في دول الخليج وتحرض أبناء الطائفة الشيعية الكريمة على أهلهم ووطنهم ودولهم، وهي تحرق الخاضعين لدعايتها وقودًا لحلمها الإمبراطوري في الهيمنة على الدول العربية.


النجاح الاستخباري الكبير للسعودية في عملية القبض على المغسل يجب أن يضاف لنجاحاتٍ سابقةٍ من آخرها النجاح في إنقاذ الدبلوماسي السعودي الخالدي الذي كان مختطفًا من قبل تنظيم القاعدة في اليمن مارس (آذار) 2015 فهذه عمليةٌ نوعيةٌ كبرى.


تأتي هذه النجاحات الجديدة متسقةً مع وعي القيادات الخليجية بالخطر الإيراني المستمر والمتصاعد وكانت عاصفة الحزم هي الرد الأبلغ حتى الآن على كل هذه الشرور الإيرانية التي تستغل الطائفية سلاحًا في معارك السياسة وترمي بالمجرمين الذين يستجيبون لها من مواطني دول مجلس التعاون أو الدول العربية حطبًا في صراعها الكبير ضد الدول العربية وشعوبها.


تمتلك الدول العربية كل الحقّ في محاربة طموحات الهيمنة وبسط النفوذ الإيرانية على الدول العربية وشعوبها بينما لا تمتلك إيران أي حقٍ، ففي اليمن كانت عاصفة الحزم وإعادة الأمل والسهم الذهبي، وفي سوريا تزداد المواقف السياسية حدةً وصرامةً في رفض استمرار المجرم بشار الأسد ونظامه الطائفي الدموي المدعوم إيرانيًا بعباراتٍ صريحةٍ ومواقف سياسيةٍ معلنة منذ الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، الذي كان أول من وقف في وجه وحشية الأسد ضد شعبه إلى تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مؤخرًا بأنه لا مكان للأسد في مستقبل سوريا.


وفي العراق لا يمكن أن يترك الشعب العراقي يلاقي مصيره بعيدًا عن عمقه العربي تجاه تدخلات إيران الكثيفة في كافة مفاصل دولته وحكومته وجيشه وأمنه والتي عبّر عنها متظاهرون في الكثير من المدن العراقية وفي المدن الشيعية بالذات وهي تهتف ضد إيران وضد مشاريعها الطائفية التي فتتت الدولة العراقية والجيش العراقي وتسعى إلى أن تحكم قبضتها على كل أحزاب العراق وتياراته، بل وتسعى لإخضاع الشعب العراقي بالكامل.
ولاء المواطنين الشيعة لأوطانهم ودولهم في دول الخليج العربي ليس محل شك، ولا يجوز أن يوضع محل شك، ولكن من اختار منهم الولاء لإيران وخدمتها والإضرار بمصالح وطنه يجب أن يعامل كإرهابي ومجرمٍ تطارده الدولة وينبذه الشعب وتدينه الأنظمة والقوانين وتنفذ فيه الأحكام الصارمة والقاطعة لدابر الإرهاب والطائفية.


ينبغي أن يعلم الغرب كإداراتٍ وحكوماتٍ ومراكز أبحاث ووسائل إعلامٍ أن إيران هي الراعي الحقيقي للإرهاب في المنطقة والعالم، وهي ترعى الإرهاب بشقيه السني والشيعي، والاتفاق النووي معها لن ينجح دون تصفية باقي المشكلات معها وعلى رأسها التخلي عن دعم الإرهاب وخلق الميليشيات أو دعمها سنيًا وشيعيًا، وأن تكف يدها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية سواء في العراق وسوريا أم في لبنان وقطاع غزة واليمن.
عود على بدءٍ وفي قضية المغسل فقد علّمنا التاريخ أن بعض الأوراق السياسية يمكن أن يعاد إحياؤها لخدمة الواقع، ولئن تكتمت السعودية على بعض تفاصيل تفجير الخبر لحساباتٍ سياسيةٍ حينذاك فإن القضية نفسها حين تختلف الظروف والموازنات يمكن إحياؤها من جديد لوضع الأطراف السياسية في مواجهة استحقاقاتٍ تاريخية تخدم الواقع والمستقبل.


وفي الكويت تشهد الدولة وأجهزتها الأمنية وكافة مؤسساتها يقظةً جديدةً بخطر الإرهاب والأصولية المتحالفة معه والطائفية التي تحركه، وهي يقظةٌ كشفت الكثير من المستور والمسكوت عنه وهي تمرّ بمرحلة مراجعةٍ عميقةٍ للذات وحرصٍ كامل على الوحدة الوطنية وتعزيز الأمن الداخلي واستقرار الدولة.


أخيرًا، فإن عمر هذا الإرهاب الشيعي هو من عمر الثورة الإسلامية في إيران والتي لم تكن ثورةً ولم تكن إسلاميةً، والعالم لا يحترم إلا الأقوياء، وأوطاننا خطٌ أحمر، والصراع مستمرٌ.