خليل علي حيدر

تطرف «الإخوان المسلمين» لم يبدأ مع سيد قطب، بل مع المرشد المؤسس «حسن البنا». فهذا الأخير، في تحليل د. ثروت الخرباوي، «هو صاحب الفكر التكفيري المنحرف، يبدو ذلك جلياً في رسائله ومقالاته ومذكراته، بل وحياته كلها، وخاصة رؤيته لنفسه وتقديسه لها».

&

ويعود د. الخرباوي إلى دراسة لقب المرشد الذي لا ينتبه إليه الكثيرون لشدة الاعتياد، فيقول: «كان إحساس البنا بإماميته للأمة ظاهراً حين أطلق على نفسه لقب «الإمام» حينما كان لا يزال في بدايات شبابه.. كان يشعر وكأنه هو الإسلام وكأن الإسلام هو، أو على أقل تقدير، كأنه هو الذي أرسله الله على رأس مائة عام كي يجدد للأمة أمر دينها، أو كأنه هو المهدي المنتظر من أهل السُنة، والإمام الغائب عند أهل الشيعة، فأوقف نفسه وحياته ومشروعاته وطموحاته على الدعوة لله. ولكن نظرته للدعوة امتزجت به شخصياً، فأصبح هو الدعوة والدعوة هو، لا فرق بينهما في اعتقاده».

اتسعت دائرة هذا الوهم الدعوي إلى ما هو أبعد! فهو(حينما آمن بهذه الإمامية، قام بتوريثها لأتباعه، لدرجة أن الإخوان طبعوا عام 1990 كتيباً وزعوه على قسم الأشبال بالجماعة عنوانه «الإمام حسن البنا مؤسس الدعوة الإسلامية». وعندما أراد الإخوان أن يهذبوا من هذه العبارة، قالوا في كل أدبياتهم إن حسن البنا مؤسس الحركة الإسلامية).

سكرتير البنا المرحوم محمود عساف، يقول د. الخرباوي، نقل كلمات قالها له البنا: «أنظر يا محمود، إن الإيمان بالإسلام يقوم على شهادتين: لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلماً، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام في شخصه، وبالتالي يجب أن يكون الإيمان بالفكرة وصاحبها معاً، فلسنا جمعية ولا تشكيلاً اجتماعياً ولكن نحن دعوة فلا بد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره»، (الهلال، نوفمبر، 2013).

أتقن البنا في الواقع توظيف تاريخ الدعوة الإسلامية وشخصياتها ومراحلها في حزبه الذي انطلق عام 1928. واستفاد من مشاكل مصر السياسية والاجتماعية ونزاعاتها، كما درس الفجوة الهائلة بين بعض النخب والأيديولوجيات الحزبية المنتشرة، وبين واقع مصر. فأوهم أنصاره وكل من ألقى كلماته عليهم بأنه المنقذ الوحيد لمصر والمصريين، وأن رعاية الخالق والأقدار تحيط به باستمرار، وتسهل له حتى امتحان النحو والصرف!

يقول البنا في مذكراته: «لا زلت أذكر أن ليلة امتحان النحو والصرف، رأيت فيما يرى النائم، أنني أركب زورقاً لطيفاً مع بعض العلماء الفضلاء الأجلاء، يسير بنا الهوينا في نسيم ورخاء على صفحة النيل الجميلة، فتقدم أحد هؤلاء الفضلاء، وكان في زي علماء الصعيد، وقال لي: أين شرح الألفية لابن عقيل؟ فقلت: ها هو ذا. فقال: تعال نراجع فيه بعض الموضوعات، هات صفحة كذا وصفحة كذا. وأخذتُ أراجع موضوعاتها حتى استيقظت منشرحاً مسروراً. وفي الصباح جاء الكثير من الأسئلة حول هذه الموضوعات، فكان ذلك تيسيراً من الله تبارك وتعالى»، (مذكرات الدعوة والداعية، بقلم الإمام الشهيد حسن البنا، دار الشهاب، القاهرة 1966، ص 42).

وينقل الخرباوي عن القيادي الإخواني محمود عبدالحليم قوله: «لقد كنت أحار في تصور قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله إنه كان خلقه القرآن، حتى لقيت حسن البنا وصاحبته فبدت الصورة تتضح أمامي»!

ويصعِّد المرشد الثالث للإخوان عمر التلمساني إلى أعلى عليين فيقول: «لما كان الأمر أمر تجميع، وتكوين، وتوحيد مفاهيم أمة مسلمة، لما كان الأمر عودة المسلمين إلى الإيمان، لما كان الأمر كذلك، اختار الله لهذه الدعوة إمامها الشهيد حسن البنا». لم ينظر البنا إلى إيمانه وإيمان أتباعه كإيمان سائر المسلمين، فهو يتحدث في رسائله عن إيمان الإخوان وإيمان غيرهم، فيقول في رسالة دعوتنا: «الفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوي يقظ في نفوس الإخوان المسلمين».

وبعد سنوات من مقتل حسن البنا، يقول د. الخرباوي، بات من المعروف داخل الإخوان أن لقب البنا هو «الإمام الرباني» أو الملهم الموهوب، بل إن كتابات الإخوان حالياً في صحفهم ومواقعهم أخذت منحى آخر إذ يكتبون دائماً عبارة «حسن البنا رضي الله عنه!» وكان من أعلام الإخوان الذين استخدموا هذه العبارة القطب الإخواني الكبير الشيخ محمد عبدالله الخطيب حيث وضعها كعنوان لمقال له في جريدة الحرية والعدالة، وكأن البنا كان من الصحابة المقربين أو أعلى منزلة منهم». هل حمل حسن البنا مشروعاً نهضوياً ورؤية فكرية عصرية، أم أن ما كتبه وروج له، كما ثبت لنا اليوم، مجرد إدخال للعالم العربي والإسلامي في أنفاق مظلمة تحت الأرض؟ ثمة حزب «إسلامي» يهيمن على مصير مصر بالانتخابات، ويصل رئيس منه إلى سدة الحكم بالوسائل الديمقراطية، ثم يتحدث قادة الجماعة عن «التمكين» و«الولاء والبراء».. والبقاء في الحكم 500 عام، ويحاول قلب قوانين البلاد وأوضاعه رأساً على عقب بين ليلة وضحاها؟
&