محمد صابرين
&
لا يزال المستقبل لغزا كبيرا في المنطقة العربية، لأن الحاضر مازال نازفا وينشر الحمم والفوضي في كل مكان . وبينما «الصور المأساوية» العربية تضغط علي المشاهد والمواطن العربي من انحاء مختلفة فإن «المستقبل» والوصول إليه أو العمل علي رسمه بات أمرا من الرفاهية، وذلك نظرا لأن البعض في عدد من الدول العربية يبحث عن «الفرار» والحفاظ علي الحياة . وفي قلب ذلك فإن الاعلام الجديد ينشر رايته علي الوطن العربي، ويحكم قبضته علي الواقع سواء أردنا أم لم نرد. وبات هذا الإعلام أحد اسئلة الحاضر والمستقبل إلا أن السؤال الحقيقي هو هل يمكننا أن نعمل من أجل المستقبل، ونري من القادر علي أن يقودنا إلي «مستقبل أرحب وأفضل»؟! وأحسب أن مصر وقيادتها الجديدة هذا هو قدرها، ولا تستطيع أن تهرب من ذلك القدر وتلك المسئولية؟!

ومن المفيد أن نتوقف مع د. ياس خضير البياتي في كتابه «الإعلام الجديد.. الحرية والفوضي والثورات، ويرسم الرجل صورة قاتمة في رؤيته المستقبلية للمشهد العربي المقبل.. فهو يري أن «المنطقة ستشهد المزيد من الهيمنة السياسية والإعلامية من خلال الحروب العسكرية وتقنياتها المتطورة والمبتكرة، ولن تكون هذه الحروب بمعزل عن إدارة الحروب بالإعلام وتقنياته الرقمية. بل ستكون عاملا حاسما في حسم الحروب بأنواعها، لصالح القوي التي تمتلك التقنيات العسكرية والرقمية. وسيتم استثمارها لتفتيت المنطقة، وتقطيعها إلي دويلات طائفية وعشائرية وعائلية وقومية. وإذا كان العراق هو المختبر الأول لتطبيق التجارب العسكرية والإعلامية والنفسية للولايات المتحدة الأمريكية . فانه سيكون البوابة المفتوحة علي كل الدول، حيث ستتأثر المنطقة مستقبلا بأجندات الكبار ومخططاتهم، بإقامة شرق أوسط جديد، يقوم علي مبدأ عزل بعض الدول العربية وبناء تحالفات مع دول أخري، حسب بعد وقرب هذه الدول، من الولايات المتحدة ومصالحها، ولكن ظاهر المستقبل يشير إلي خسارة جميع الدول العربية دون استثناء.

.......

وأحسب أن لا أحد يمكن ان يجادل كثيرا بأن السنوات الأخيرة في العالم العربي شهدت «خسارة هائلة» للجميع إلا أن المستقبل يجب ألا نتركه حتي يذهب الي «الخسارة المحتومة» مثلما يقول لنا د. البياتي نظرا لأنه ليس قدرا محتوما إلا ان ذلك يتطلب ان تهتم الدول الفاعلة وفي مقدمتها مصر ـ بأسئلة المستقبل، ولعمري الطريق واضح ويتطلب «الوحدة» و«القوة العربية العسكرية المشتركة»، ومحاربة البطالة والارهاب والتطرف ، وفتح مزيد من النوافذ، والصبر علي الأجيال الشابة، والعمل بجدية لإشراكها في صنع حاضرها والاستعداد للمستقبل ، والايمان بأن «رضا الناس» هو الأمن الحقيقي لمجتمعات أنهكها واقع صعب و«مستقبل لاتري بشائره» ، الأمر الذي يدفعها إلي الموت أمام سواحل أوروبا، بل بات الموت الآن حتي بعد الوصول إلي الأراضي الأوروبية ـ مثلما رأينا في النمسا ـ ، ولعل أخطر مايجب إصلاحه هو «الاعلام العربي» الذي يجب أن يرتقي إلي العصر ومتغيراته، لا أن يبقي جامدا اسير «حقبة الستينيات»، فإذا لم يواكب عصره فإن الآخرين سوف يملأون الفراغ ، ويندثر هذا الإعلام السطحي، حتي لو ظل قائما فسوف يكون مثل «خيال المآتة » أو« شاهد ماشفش حاجة»!.

........

ومن هنا فإن مسئولية مصر كبيرة وخطيرة للغاية، فهي عليها أن تتحمل عبء الاجابة عن اسئلة المستقبل ولعل أهمها : هل يمكن تقديم نموذج ناجح للدولة العصرية الديمقراطية المزدهرة اقتصاديا؟. وأحسب ان مصر بقيادتها الجديدة تعمل من أجل ذلك، والخطوة الأولي هى استعادة الدولة وإصلاح مؤسساتها المترهلة، وفي ذات الوقت تلبية مطالب الناس المشروعة في الأمن والاستقرار ومحاربة الإرهاب، وذلك انطلاقا من قناعات تحظي بقبول شعبي كبير، وتفويض للقيادة الحالية لايختلف حوله الا المغرضون، والخطوة التي لاتقل أهمية عن ذلك كله هو بناء التحالفات مع الدول الشقيقة والصديقة لمواجهة «الفوضى الأمريكية الخلاقة»، والحفاظ علي الدولة الوطنية العربية بحدودها وبنسيجها الوطني والديني، والعمل علي «التنمية الاقتصادية، والتي هي بلاشك» الشغل الشاغل «لجميع المواطنين في العالم العربي الذين يتطلعون إلي مجتمع اكثر عدالة بعيدا عن مجتمعات «الأغلبية المحرومة والاقلية المحظوظة».

.....

ويبقي أن الثورات العربية أو الانتفاضات أو المؤامرات الغربية .. الخ ، وأياما كان المسمي الذي يفضل البعض أن يطلقه علي ماحدث ويحدث في عالمنا ا لعربي قد كشف عن «هشاشة البناء العربي!، إلا أن في المقابل فإن ماجري تشييده في العراق من فوضي وفساد لم يكن أحسن حالا بل أسوأ بكثير من «جميع الكوابيس» العربية. ولعل أصدق ماقيل هو أن «الانظمة الفاسدة» لايمكنها ان تدافع عن البلاد والعباد!. وهذا مايفسر تهديد داعش وأخواتها من «جماعات الارهاب والموت»!

وبينما يتحدث البعض عن «صدمة المستقبل» ، وكيف أن الواقع العربي، خاصة إعلامه ليس مستعدا لمواجهة تحديات المستقبل. إلا أننا في الواقع نواجه حاليا «ردة إلي عصور الجهل والتخلف» بل «وعودة إلي أبشع ممارسات القرون الوسطي وهمجيتها»، وأبعد مانكون عن سماحه ورقي الدين الاسلامي وتسامحة.. ولعل هذا بالتحديد مايريده ويدعو إليه الرئيس عبدالفتاح السيسي عندما يطالب «بتجديد الخطاب الديني».

وأحسب أن الوقت قد حان لتقدم مصر الجديدة رؤيتها للخروج من الواقع المضطرب والملئ بالفوضى ، وأن ترسم ملامح المستقبل . وهذه الأجوبة لابد أن ترتكز علي أماني الناس في «عيش . حرية عدالة اجتماعية.. كرامة انسانية»، وهذا كله لايتحقق إلا بتلبية شعار ثورة 30 يونيو والتي طالبت «بالاستقلال الوطني » والخروج للأبد من حصار دولة المرشد بأجندتها المشبوهة بعيدا عن أمراء الدم والقتل العبثي، والتقدم الي المستقبل الأرحب.