ياسر الغسلان

طالما كنت أؤمن بأن التطرف الفكري والتشدد الذي يتصف به كثير من ملامح الحياة في عالمنا العربي لهما جذور عميقة في إرث استوردناه من مخلفات أفكار وأنماط أيديولوجية ثبت للتاريخ أنها قادرة على إحداث السيطرة، وإن كانت خواتمها مأساوية من الناحية العملية.


فلو تمعنا قليلا حال بعض المبادئ التي تتحكم بنهج ما يعرف اليوم بـ"داعش" أو القاعدة أو جحش أو غيرها من الجماعات الإرهابية، سنجد أنها تتطابق بشكل كبير مع الأيديولوجية النازية المبنية على "العنصرية والتشدد ضد الآخر وكذلك على علوّ أجناس بشرية معينة على أجناس أخرى، إلى جانب الإيمان بقمع وحتى بإبادة الأعراق الدنيا، وبالمقابل الحفاظ على "طهر" الأعراق العليا" كما أنها تتوافق مع الفاشية التي"تؤمن بإحياء مجد الأمة والسمو بها إلى مدرج الكمال".


إذا يمكن لنا القول إن العصبية الدينية بأقصى درجاتها يمينية كانت أم يسارية ما هي إلا امتداد لنازية وفاشية مقيتة، أثبتت لنا تجارب التاريخ أنها السبب الأساسي لمقتل ملايين من البشر، من خلال ما شنته من حروب توسعية كان الهدف منها بث الرعب وإرهاب الأمم، وإجبارهم على الخضوع لمنهجهم المتعالي السقيم.


لا يمكن لي أن أؤمن بأن قتل الناس باسم الدين أمر يمكن أن يقبله أي دين، فما بالنا بديننا الإسلامي الحنيف الذي أتى برسالة السلام والرحمة؟ ولا يمكن لي أن أقتنع سوى أن هذه الحرب التي يشنها مرتزقة ما يعرف بـ"داعش" ما هي إلا حملة منظمة من أجل الهيمنة السياسية على مقدرات الدول، ولتحقيق أهداف سياسية واقتصادية تخدم أصحاب مصالح باتت أسماؤهم وملامحهم تتكشف يوما بعد يوم.


رغم أن الحرية مكفولة في أوروبا، إلا أنها عملت على منع نهوض الأفكار النازية والفاشية في دولها من جديد، وذلك عبر المناهج الدراسية والبرامج الاجتماعية التي تسهم في تنمية أفكار قبول الآخر، إلى جانب عملها على إصدار القوانين والتشريعات التي تجرم أي عمل عدائي عنصري يتجاوز فيه الفرد حقه في التعبير عن رأيه باللسان، إلى التهجم وتهديد حياة غيره باليد.


ظهور النازية والفاشية لم يكن من قبيل الصدفة، بل كان تراكما فكريا واجتماعيا أدى إلى أن تتحول أوروبا في بدايات القرن الماضي إلى مستنقع صالح لتحول الشرذمة إلى وحوش فتاكة تمكنت من إحراق الأخضر واليابس، واليوم نجد أن رائحة ذلك المستنقع -في عالمنا العربي- استفحلت بوباء سيفتك بنا إن لم ننهض ونقتلع هذا الفكر من جذوره.