يوسف الديني

بات بقاء نظام الأسد لغزًا سياسيًا محيرًّا وما كان له ذلك، لولا أنه استحال إلى ورقة «تفاوضية» خارج مستقبل سوريا التي يدفع شعبها وما زال أثمانًا باهظة ستكون لها انعكاساتها المستقبلية خلال العقود وليس السنوات القادمة، واللافت أن تطور الأوضاع على الأرض لا ينعكس على الحالة السياسية، بمعنى أن الأطراف الدولية ما زالت مترددة حيال بقاء الأسد، مع علمها أنه ورقة مفاوضات معطوبة لا يمكن الرهان عليها، لكنها أيضًا مصابة بالفزع من سيناريو تسليم ما تبقى من المناطق بيد الجماعات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم داعش الذي لا يعيش أحسن أحواله الآن.


الانتصارات الأخيرة للثوار في شمال البلاد، مؤشر قوي جدًا على تراجع النظام إلى حدوده الدنيا، لكن ذلك يجعل كل المراقبين حذرين في إطلاق التكهنات بنهاية وشيكة لنظام الأسد الدموي، رغم التقارير المتلاحقة التي تؤكد وجود انهيارات كبرى داخل مؤسسات النظام، عدا بدء تململ ملالي طهران من أعداد القتلى في صفوف المقاتلين، الذين يتم إرسالهم لحماية هذا النظام، لكن ارتفاع نسبة القتلى من الميليشيات الشيعية بدأ يدق ناقوس الخطر حول ما ستؤول إليه الأوضاع على الأرض.


لذلك، قرر الكاتب في بحثه عن إجابات وبعض التوضيحات بشأن ما يمكن أن يكون واحدا من أكبر التداعيات المحتملة للثورة في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية، أن يحاور خبيرين، وهما: «فريد هوف»، مستشار أوباما السابق الخاص للتحول السوري و«جوشوا لانديس»، الباحث في جامعة أوكلاهوما، وهما من خيرة المحللين: الأميركيين، للسياسة السورية، وفقا للكاتب.


وهو ما تؤكده التقارير الأميركية التي تتحدث عن تحولات نوعية، بعد تقدم الثوار في إدلب وجسر الشغور مما جعل مستشار الرئيس أوباما فريد هوف، يؤكد أنه يمكن الحديث عن نقطة اللاعودة لبدء نهاية نظام الأسد، لكن مخاوف الأقليات التي ما زالت تحتمي بجدار الأسد الهش، بحاجة إلى خطة إنقاذ وطمأنة سياسية، بمعنى آخر فإن إسقاط نظام الأسد يبدأ بصناعة البديل السياسي قبل العسكري لا سيما وأن التطورات على الأرض تعيش تقدمًا ملحوظًا باتجاه سقوط النظام، بلغة أكثر وضوحًا فإن مفتاح التعجيل بسقوط بشار الأسد هو بإيجاد بديل مطمئن للعلويين والأقليات والشعب المضطهد الذي لا يمكن أن يقفز نحو قوارب المجموعات المسلحة، وهو يدرك تمامًا أكثر من أي أطراف خارجية مقدار الدمار المفاهيمي الذي حل بالبلاد، حيث تعيش مجتمعات «داعش» حياة أقرب إلى الأساطير منها إلى الحياة التي يتمناها رب أي أسرة لأبنائه، هناك مخاوف كبرى وحقيقة يجب أن يعيها المجتمع الدولي الذي يرى الأزمة السورية من الأعلى ووفق صراع وتجاذبات النزاع الإقليمي.


الحل يبدأ بفحص البناء الهيكلي لنظام الأسد وتحييد أكبر قدر منه حتى لا نقع في فخ العراق مجددًا، والذي بدا كدرس طويل الأمد في كيفية تغيير النظام دون تكسير بناه الأساسية، وهي مهمة تبدو مستحيلة في ظل تضخم التفوق العسكري للمعارضة وانشقاقات الجماعات المحاربة وحربها تجاه بعضها البعض، وبين وجود كتلة سياسية منظمة يمكن أن تمثل بديلاً آمنا يعين على إنهاء النظام.


وإذا كانت أولوية طهران هو بقاء الأسد، بما يمثله ذلك من الحفاظ على مكاسبها في المنطقة، وعلى رأسها إبقاء فعالية حزب الله في لبنان، فإن من المهم الآن خلق طبقة سياسية مؤمنة بشعار «سوريا للجميع» بما يعني ذلك الحفاظ على التنوع العرقي والسياسي والمذهبي في سوريا ما بعد الأسد، والتي ستعاني كثيرًا من استقطاب كل أولئك المهاجرين الذين قاسوا الويلات للهروب من نيران الحرب. وبحسب ليز سلاي، مراسلة «واشنطن بوست»، فإن سوريا أصبحت أكبر مصدر للاجئين في العالم منذ أكثر من أربعة عقود، ومن يتابع تقارير مجموعات الأزمات الدولية حول الأطفال السوريين، سيدرك أي مستقبل قاتم ينتظر المنطقة لا سيما مع جنوح كثير منهم إلى تيارات العنف والتطرف في محاولة للعيش الآمن في جوف الوحش كما يعبر «بيتر هارلينغ» في تقريره الأخير عن وضعية الأطفال السوريين داخل مناطق التوتر: «هنا جيل بأكمله محروم من أي شيء يحلمون به أو يؤمنون به».


التعويل على القوى الغربية في الملف السوري، أقرب لإضاعة الوقت، ومع ذلك يجب أن يتم الضغط لخلق حملة دولية رادعة وقوية بهدف حماية ما تبقى من الشعب والمدنيين لا يبدو الأمر سوى استنزاف للوقت والمزيد من الدماء، وتضخم حالة العنف وتحويلها إلى جزء من الحياة اليومية، وقد تفاقم الوضع في المناطق التي تخضع لهيمنة الجماعات الإرهابية، التي لا ترى في نفسها جماعات «نصرة»، بل تأسيس لدولة عابرة للحدود، وهو ما يجعل اختيار الأولويات في هذه المرحلة أمرًا صعبًا للغاية.. لكن البداية الفعلية لمستقبل سوريا هو رحيل نظام الأسد، فهو السبب الرئيسي وكل ما عداه مجرد أعراض لأزمات مزمنة تعيشها المنطقة منذ عقود.

&