محمد الساعد

لاشك في أن العلاقات السعودية-الأميركية مرت بتجارب مرة.. مرارة القهوة العربية، وأخرى حلوة.. حلاوة الغاز والنفط المتدفق من صحاري المملكة، حاملاً معه الحياة والتفوق للماكينات والمصانع الأميركية، منذ حوالى 80 عاماً.

&

لكن، أبرز ما في العلاقات السعودية-الأميركية صلابتها من ناحية، ومعاناتها الدائمة من وجود طرف ثالث يحاول وأْد تلك العلاقة وفكها للأبد من ناحية أخرى، مدفوعاً بأحقاد الغيرة والضغينة والأجندات والمخططات.

&

فمنذ الخمسينات والستينات الميلادية، انطلقت قوى اليسار وعرب الشمال وبعض العروبيين مدفوعين من كرههم للسعودية، في محاولات لفك العلاقة السعودية-الأميركية، مزايدين عليها في كل القضايا التي مرت بالمنطقة، وطاعنين في المواقف السعودية منها.

&

ولم تنته تلك الحقبة حتى دخل الإيرانيون والبعثيون على خط محاولات فك العلاقة، ثم قوى الإسلام السياسي ممثلة في «الإخوان المسلمون»، الذين رفضوا التحالف السعودي-الأميركي عام 90، واصطفوا مع صدام حسين، إثر غزو العراق للكويت، وتهديده للوجود السعودي.

&

لم تكتف القوى الإسلاموية -الإخوان المسلمون السنة من جهة، وحزب الله الشيعي من جهة أخرى- بذلك، بل شن عملاؤهم من السروريين والحركيين والحزبيين، ومن ثم أذرعهم القاعدة وداعش، عمليات قتالية وتفجيرية ضد المصالح الأميركية في السعودية بدءاً من عام 1994، وحتى اليوم.

&

المفيد من ذلك يتلخص في الآتي: إن العلاقة السعودية-الأميركية التي صمدت طوال أكثر من 80 عاماً، لم تنقطع ولم تشغر في يوم من الأيام، بل لم يأت اليوم الذي قُطعت فيه ولو لساعة واحدة فقط، على رغم مرورها بأزمات ديبلوماسية كما مر بين العديد من الدول، إلا أنها تبقى أزمات عابرة. بالتأكيد كان هناك تباين في أكثر من قضية، ولاسيما عندما تمس المصالح السعودية المباشرة، كما حدث في البحرين واليمن على سبيل المثال، إلا أن الدولتين كان لديهما من القدرة والحصافة على تجاوز كل العقبات والمصاعب، من دون المساس بجوهر العلاقة، ولا أدل من ذلك من أزمة «11 سبتمبر».

&

وكأي علاقة حقيقية ووثيقة في الدنيا، لابد من أن يكون هناك عقد ما بينهما يضمن بقاء الود، ويعالج العتب، ويردم الهوة إن حدثت.

&

ولعل أهم ما توصف به العلاقة السعودية أنها رمانة الاقتصاد العالمي وميزان ذهبه، وحاضنة استقراره السياسي ونموه الاجتماعي، من خلال ضمان تدفق الطاقة للعالم من دون انقطاع، بسعر معقول، وبما يكفي الطلب.

&

وهذا عقد ملزم للطرفين الكبيرين، لو تخلى عنه أحدهما فإن العالم كله -وبلا شك- سينهار، وسيدخل في أزمات اقتصادية وسياسية متتالية، ولضمان التزام الطرفين بهذه المعادلة الصعبة، فعلى كل طرف الوفاء بمجموعة من القواعد الأخلاقية والأمنية والسياسية، التي تساعد الطرف الآخر في أداء واجباته. لذلك ستبقى العلاقات السعودية-الأميركية مبنية على هذا التعاقد، ولو حاول أي طرف الالتفاف عليها فهذا يعني سقوط الآخر تماماً. صحيح أن الإستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة حاولت إعادة التموضع والارتحال سياسياً واقتصادياً نحو اقتصاد شرق آسيا، وبناء علاقات مع القوى المجاورة على حساب السعودية، إلا أن متغيرات سريعة حدثت، يبدو أنها أبطأت، أو على الأقل رشَّدت هذا التغير، بما يضمن استمرار العلاقة، لكن بمفهوم جديد، يقوم على أن السعودية قهوتها مرة بالفعل عند مصالحها، لكن زيتها ونفطها سيبقى حلو المذاق.
&