بيروت - «الراي»: يتحوّل الحِراك الشعبي في لبنان «بقعة زيت» تتمدّد على المستوييْن الداخلي والخارجي وسط انطباع بأن البلاد تتجه للخروج من «ستاتيكو» الانتظار الذي يحكمها لتصبح «على الطاولة» في لحظة الاستعدادات لمرحلة المقايضات والتسويات في المنطقة المشتعلة بالحرائق في أكثر من ساحة.

وغداة رفْع مجموعات من المجتمع المدني مستوى «المعركة» في الشارع التي فجّرها ملف النفايات الى مرحلة أشدّ قسوة من خلال احتلال مبنى وزارة البيئة في وسط بيروت ومحاصرة الوزير محمد المشنوق في مكتبه لنحو 6 ساعات، بدا ان هذا الحِراك يتجّه الى مواجهة أكثر شراسة مع الطبقة السياسية، سيشكّل تاريخ 9 سبتمبر الجاري محطة بارزة فيها، وسط معلومات عن ان «لجنة المتابعة لتحرك 29 اغسطس» (تاريخ التظاهرة الكبيرة التي حصلت في ساحة الشهداء)،ستنظّم تظاهرة كبرى في هذا الموعد الذي يتزامن مع انعقاد طاولة الحوار التي دعا إليها رئيس البرلمان نبيه بري.

واذا كان تحرك الاربعاء المقبل الذي سيحصل تحت عنوان «احتجاجاً على انعقاد طاولة الحوار، حوار المحاصصة والفساد والتسويف والمماطلة»، سيتيح تبيان الخيط الأبيض من الأسود في مسار هذا الحِراك المتدحرج، فان الايام الفاصلة عن هذا التاريخ لن تكون استراحة للطبقة السياسية في ظل دعوة القيمين على الحملة التي انطلقت بدايةً تحت عنوان «طلعت ريحتكم»، الى تحركات يومية في ساحة «رياض الصلح» التي شهدت مساء امس اعتصاماً، وذلك في إطار الرغبة في إبقاء الشارع على جهوزية لـ «المنازلة الكبرى»، التي بدأتها هيئات من المجتمع المدني، وحددت لها سلة أهداف أبرزها استقالة وزير البيئة ومحاسبة وزير الداخلية نهاد المشنوق على إطلاق النار على المتظاهرين، وإجراء انتخابات نيابية جديدة تسبق الانتخابات الرئاسية ومعالجة ملف النفايات.

وتركّزت الأنظار في بيروت، امس، على جبهتين: أوّلهما رصْد الفصول الجديدة في الحركة الاحتجاجية في ضوء التحوّل الذي شكّله احتلال مبنى وزارة البيئة، واعلان منظمي الحِراك انتهاء «فترة السماح» التي أعطيت للسلطة للاستجابة لمطالبهم والتلويح بخطوات مباغتة جديدة، وهو ما استدعى اتخاذ اجراءات أمنية مشددة حول العديد من المقرات الرسمية، التي يمكن ان تكون «هدفاً» للمتظاهرين، مثل وزارة الداخلية، وذلك في ضوء التجييش المتواصل ضدّ المشنوق وقوى الامن الداخلي واتهامها باستخدام العنف المفرط ضد الشبان والشابات المشاركين في التحركات على الأرض.

والجبهة الثانية هي ارتسام علامة استفهام حول خلفيات التحرك الاحتجاجي الذي وجد نفسه «بين ناريْ» اتهامات على ضفتيْ فريقيْ 8 و 14 آذار، بأنه إما يحصل بتحريض من «دولة عربية صغيرة» كما قال وزير الداخلية اللبناني، وسط تسمية وسائل إعلام قريبة من 8 آذار لقطر بأنها ترعى هذا الحِراك، او انه يرتبط بأجندة سفارات وبالولايات المتحدة تحديداً، كما لمح الى ذلك العماد ميشال عون حين عبّر عن «خوفه» من «إشارة محطة سي ان ان لنا قبل بضعة أيام بأن لبنان أصبح على أبواب الربيع العربي» الذي وصفه بـ «الربيع الجهنمي»، محذراً من وقوع لبنان في الفوضى.

وبدت الطبقة السياسية وكأنها في حال دفاع عن النفس اندفعت معها الى اعتماد مساريْن متوازييْن، ترافقا مع إرجاء الجلسة 28 لانتخاب رئيس للجمهورية الى 30 الجاري بفعل عدم اكتمال النصاب: المسار الاول متشدّد في ملف استقالة وزير البيئة الذي رُسم خط أحمر حوله، سواء من الرئيس تمام سلام او الرئيس نبيه بري ومختلف الكتل السياسية، وسط تحذيرات من ان مثل هذه الاستقالة للوزير محمد المشنوق ستجرّ استقالات لوزراء آخرين مثل الوزير رشيد درباس وتالياً تهديد الحكومة برمّتها. وكان الأكثر تعبيراً في هذا السياق اعتبار مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان انه «ينبغي ان نقف الى جانب الرئيس سلام والوزيرين نهاد ومحمد المشنوق وسائر الوزراء في هذه الأزمة العصيبة، فنحن متمسكون بالحكومة وإسقاطها او استقالتها سيدخل البلاد في المجهول».

أما المسار الثاني، فـ «تبريدي» وتظهّر من خلال محاولة الدفع الى إنجاز خطة لمعالجة ملف النفايات بأسرع وقت عبر اللجنة التي كُلف ترؤسها وزير الزراعة أكرم شهيب، والتي قد يستدعي وصولها الى تصور في هذا الشأن الدعوة الى جلسة تقنية للحكومة في الساعات المقبلة، تتجاوز الانقسامات حول آلية عمل مجلس الوزراء والتعيينات العسكرية، وهي العناوين التي ستشكّل (الى جانب الملف الرئاسي) محور التظاهرة التي دعا اليها العماد عون مناصريه يوم غد في «ساحة الشهداء»، ومهّد لها امس بمسيرات سيارة في محاولة لاستنهاض جمهوره وتفادي تلقيه انتكاسة جديدة في الشارع، يمكن ان تؤثر على قوة ما سيطرحه على طاولة الحوار التي اكتملت تقريباً موافقة كل الاطراف عليها مع استمرار تريث «القوات اللبنانية».

وفي حين بدا ان الحوار الذي دعا اليه بري يحظى بغطاء دولي وايضاً بتأييد ايراني عبّر عنه مساعد وزير الخارجية للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته لبيروت، فان الأكثر إثارة في بيروت كان تزايُد الاشارات الى متابعة دولية عن كثب للتحركات الاحتجاجية وهو ما تظهّر من خلال الترقب الذي ساد لجلسة طارئة كُشف ان مجلس الامن الدولي يفترض ان يكون عقدها امس في شأن لبنان بهدف الاستماع الى إحاطة (عبر الشاشة) من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة سيغريد كاغ عن التطورات الأخيرة في البلاد، وخصوصاً لجهة الاحتجاجات الشعبية. أما الأمر الثاني فحمل نفَساً اعتراضياً عكس ارتياباً من الموقف الدولي من خلال ما نُقل عن أوساط وزارية من أن سلام أبلغ المتصلين به أنه طالب البعثات الديبلوماسية في لبنان بـ«عدم صبّ الزيت على النار».