محمد خروب
&
عاد جنرال «الصحوات» ديفيد بترايوس الى الاضواء, بعد أن انحسرت عنه جراء الفضيحة التي اطاحته من رئاسة وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (CIA), اثر سماحه لعشيقته التي كتبت سيرة حياته, الاطلاع على مواد سرية تخص الامن القومي الاميركي.
&
عودة الجنرال ذائع الصيت او الذي بالغت وسائل الاعلام الاميركية في تقدير مواهبه وكفاءته القتالية وفكره الاستراتيجي, بهدف صرف الانظار عن فداحة الخسائر الاميركية جراء غزو العراق وارتفاع كفاءة المقاومة العراقية النوعية, جاءت (العودة) هذه المرة من باب الأزمة السورية وإن كانت توسلت «إرث» بترايوس العراقي, بمعنى أن الرجل يريد استعادة سيناريو «الصحوات» من خلال استمالة «العناصر المعتدلة» في جبهة النصرة, التي هي في واقع الحال الفرع السوري من تنظيم القاعدة,هنا يريد الجنرال الاميركي أن «يتذاكى» على الجميع, عبر دعوته الى تصنيف عناصر «النصرة» بين معتدلين ومتطرفين, دون ان تتوفر أي معايير واضحة أو عملية ذات قابلية التطبيق على أرض الواقع, تضع هذه العناصر في تلك الخانة ثم تدفع المتطرفين خارج الدائرة التي يريد بترايوس «تربيعها» من اجل الاستعانة بهم لمحاربة داعش.
&
ولأن اقتراح بترايوس, لم يجد الترحيب الذي توقعه الجنرال ومَنْ سعى الى ترويجه, فإن من المهم هنا التوقف عند «بازار» الاقتراحات والسيناريوهات التي يرسمها الساسة والجنرالات في البيت الابيض والبنتاغون, إذ ثمة اقتراح مثير آخر (ولكن في اتجاه آخر غير الذي ذهب اليه بترايوس) قدّمه السفير الاميركي الاسبق في دمشق روبرت فورد (باعتباره «خبيراً» في الشان السوري بالطبع) يدعو للتحالف مع حركة «أحرار الشام» باعتبارها «أهم» المجموعات التي تقاتل النظام السوري.
&
هنا يتجلى التخبط الاميركي وانعدام القدرة على تحقيق أي انجاز ميداني , اذ لم يندحر داعش، بل تمدد وقويّ وسجل «انتصارات» مدوية، كذلك الذي احرزه عندما سيطر على مدينة الرمادي العراقية , فضلاً عن بعض التقدم في الساحة السورية لم تكن سيطرته على مدينة تدمر، وتدمير اثارها وحضارتها عميقة الجذور، سوى اشارة واضحة على فشل «الحرب» هذه, في ظل اسئلة كبيرة لم تجد بعد اجوبة عليها من السيد الاميركي حول هذه السطوة الداعشية التي تسمح لارتال من عربات الدفع الرباعي والمعدات الثقيلة بالتحرك من الرقة عبر الصحراء السورية وصولاً الى تدمر, دون ان تجد من يوقفها او يعترض طريقها او يؤخر اندفاعتها.
&
الامر ذاته ينطبق على «همروجة» انخراط تركيا اردوغان في الحرب على الارهاب وفتح قاعدة انجرليك الجوية لطائرات «الحلفاء» كي تضرب داعش, في الوقت ذاته الذي ما تزال أنقرة تواصل رعايتها لداعش وتتحاشى توجيه اي ضربات لها (حتى لو اعلنت كذبا, انها فعلت ذلك) فيما هي تغتنم «فرصة» انضمامها الى نادي التحالف هذا، من اجل ضرب مقاتلي حزب العمال الكردستاني PKK وتوظيف هذه العضوية في معركة الانتخابات النيابية المبكرة الوشيكة في الاول من تشرين الثاني القريب.
ثم..
اين اصبحت «الفرقة 30» التي دفع «عليها» الاميركيون ملايين الدولارات من أجل ان تتولى محاربة داعش, وبعد ان تنتهي من «تصفية» ذلك التنظيم الارهابي، ستتولى محاربة النظام كونها قوة «معتدلة» خضع افرادها الى معايير «الفرّازة» الاميركية، قبل ان تبتلعهم جبهة النصرة وتستولي على اسلحتهم وتُرسلهم الى مشغليهم عبر الحدود باتجاه تركيا؟
&
تعويم «النصرة» او اعتماد «احرار الشام» او الاستمرار في الرهان على معتدلي «الفرقة 30» غير الموجودين على ارض الواقع وفي الميدان، لن يُغير من الحقائق الميدانية وموازين القوى السائدة على الساحة السورية.. شيئاً، ولا بد من الإقرار الاميركي» بان انخراط «النظام السوري» في الحرب على الارهاب هو الخطوة الانجع والاسرع والاجدى لتسريع عملية دحر الارهابيين على مختلف تسمياتهم , بدءاً من الفرع السوري لتنظيم القاعدة المسمى «جبهة النصرة». أم غير ذلك فلا يعدو كونه محاولة محكومة بالفشل مسبقاً، لتأجيل دفع الاستحقاق والاقرار بأن دعم الارهاب والارهابيين قد انقلب وبالاً على الذين دربوه وسلّموه ووفروا الاموال والحملات الاعلامية له.. فالصحوات مجرد فصل بائس في كتاب الهزيمة الاميركية الموصوفة في العراق، وهي غير قابلة للاستنساخ في سوريا.