محمد كعوش

نتابع الحراك الشعبي بحذر وحياد. هذه الانتفاضة الشعبية في لبنان والعراق اعادتنا الى اجواء الربيع العربي ، الذي بدأ بحراك اجتماعي سياسي مطلبي واصلاحي ، ولكنه انتهى الى حروب اهلية مسنودة ومدعومة ومدارة من الخارج ، هدفها تفكيك الدول العربية وتفتيت المجتمعات وتخريب البنية التحتية واشغال الجيوش العربية وتدميرها.

في لبنان ، كما في العراق ، بدأ الحراك والاحتجاج والعراك تحت عناوين وشعارات مطلبية محقة وفي مقدمتها تأمين المياه والكهرباء والنظافة بازالة النفايات ، والمطالبة بالمساواة والمواطنة والعدالة الغائبة ، وضمان استقلال القضاء والحريات العامة ، والاصلاح الاداري والاقتصادي والسياسي ومكافحة الفقر والفساد والمحسوبية.

وفي لبنان ، كما في العراق ، لا يمكن لأي طائفة او حزب او سفارة ان تحكم البلاد منفردة او تتحكم بشعبها. وفي لبنان ، كما في العراق ، فشلت السلطة القائمة على المحاصصة الطائفية ، وترتفع اليوم الاصوات الداعية الى بناء الدولة المدنية الديمقراطية ، وفصل الدولة عن الدين. وفي لبنان كما في العراق ، الفساد المستدام العام القوي ، له انياب ومخالب وقويت شوكته في غياب العدالة والعدل وهيبة الدولة ، وغياب المراقبة والمحاسبة بوجود المحاسيب والمتنفذين من المستقوين بالحزب والطائفة والميليشيات.

واللافت اليوم هو ما يحدث في ساحات وميادين لبنان. هذه الانتفاضة الشعبية التي تشكلت من طوائف دينية واطياف سياسية متعددة وفئات اجتماعية مختلفة ، بدأت انتفاضة مطلبية اصلاحية ، وقد اتسعت وتمددت وجذبت اعدادا كبيرة من الغاضبين المحرومين ، كما توسعت في مطالبها التي تخطت حدود المطالب الاصلاحية الاجتماعية الداعية الى تأمين الكهرباء والماء وازالة اكوام النفايات من الشوارع ، وحل مسألة الرواتب والاجور ، الى ان وصلت الى الاصلاح السياسي والاقتصادي ، كما طالبت بفتح ملفات الفساد ، وانتقلت من ملف النفايات الى ملف الانتخابات ، وقد تتطور الامور أكثر في التاسع من ايلول ، وهو موعد بدء الحوار الوطني الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري.

الحقيقة ان هذا الحراك الذي باغت الدولة اللبنانية بكل سلطاتها ، هو وليد الفراغ الذي احدثه غياب رأس الدولة منذ 466 يوما. فقد امضى لبنان هذه المدة بلا رئيس جمهورية ، بالاضافة الى قضايا كثيرة معلقة تراكمت في ظل انتشار الفساد والمحسوبية. ولكن ما نخشاه اليوم ، من خلال التجربة السابقة ، هو ان يتم انحراف او اختطاف الحراك الشعبي في لبنان ، الذي بدأ بنوايا سليمة ووسائل سلمية ، او ان يتم توظيف هذه الانتفاضة او استغلالها لاهداف داخلية او خارجية ، خصوصا ان الساحة اللبنانية مفتوحة امام اطراف لاعبة وناشطة وقادرة تنتمي الى مختلف الاتجاهات والجهات ، وباجندات كثيرة ، وهو الواقع المقلق الذي يجعل من الانتفاضة الشعبية غير محصنة ، خصوصا في غياب لجنة قيادية واضحة وقرارات مركزية محددة يصعب التلاعب بها.&