أحمد الغز

أعتقد أن قمة ماذا يريد العرب من أميركا، وماذا تريد أميركا من العرب التي عقدت في الولايات المتحدة هي المرحلة الأصعب في التفاوض الطويل بين أميركا وإيران خلال السنوات الماضية، والذي أعطى فيه "الأميركي الذي لا يملك إلى الإيراني الذي لا يستحق"

&


تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى الولايات المتحدة الأميركية في لحظة حرجة جداً للرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي يواجه معارضة شديدة -للاتفاق النووي الإيراني- داخل الكونجرس الأميركي، والذي سيجري التصويت عليه في النصف الثاني من سبتمبر الحالي أي بعد أيام من زيارة الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز.
ينشغل الإعلام الأميركي خلال هذه الزيارة برصد التوازنات بين الجمهوريين والديمقراطيين داخل كلّ من مجلسي النواب والشيوخ، خاصة أن العديد من أعضاء حزب الرئيس الأميركي الديمقراطي أعلنوا معارضتهم لذلك الاتفاق، وجوهر رفض الاتفاق مع إيران هو اعتبار أن الرئيس أوباما قد تنازل عن ثوابت السياسة الأميركية في المنطقة، وأطلق يد إيران فيها بما يعرّض مصالح الولايات المتحدة للخطر وكذلك الأمر بالنسبة لحلفائها.


ما تعتقده الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب الأميركي ليس افتراضاً عابراً بل حقيقة ملموسة الآن، إذ إن الاتفاق لم يأخذ من إيران أي التزام تجاه القضايا الملتهبة ودعمها لعدم الاستقرار وانخراطها فيها، وفي الخليج والمشرق على وجه الخصوص. والرئيس أوباما يعرف ذلك أيضا؛ لذلك بادر منذ إعلان اتفاق النوايا في لوزان بدعوة قادة مجلس التعاون الخليجي للاجتماع في كامب ديفيد، وقبل توقيع الاتفاق النهائي في فيينا.
انعقدت قمة كامب ديفيد بين قادة دول الخليج مع الرئيس الأميركي، وحضرها عن المملكة العربية السعودية ولي العهد الأمير محمد بن نايف مع العديد من قادة الخليج، وكانت أجواء الاجتماعات ليست بالمستوى المطلوب؛ إذ سمع الرئيس الأميركي من قادة الخليج الثوابت التي على أساسها قامت العلاقات الأميركية العربية منذ عقود طويلة، إضافة إلى ما استجد من تطورات في سورية والعراق واليمن، وتغاضي أميركا عن ممارسات إيران فيها والتي أدت إلى ملايين المهجرين، ومئات ألوف القتلى، والتسبب في ظهور التنظيمات الإرهابية التي تدعي أميركا محاربتها.


إن ما شهدته السياسات العربية والخليجية على وجه الخصوص، بعد قمة كامب ديفيد، من الانفتاح الجدي على فرنسا وحضور الرئيس الفرنسي اجتماع قمة دول مجلس التعاون الخليجي، والذي كان سابقة تحمل دلالات كثيرة على التغيير الحقيقي في السياسات الخارجية الخليجية، وما تبعه من زيارات إلى روسيا والعديد من الدول الكبرى؛ مما يجعل من كلفة الاتفاق النووي على الولايات المتحدة كبيرة وكبيرة جدا، وهذا ما يستشعره الديمقراطيون الأميركيون قبل الجمهوريين.


أعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سيزور روسيا بعد الحج المقبل؛ ما يعني أن السياسة الخارجية السعودية تعتمد على قوتها الذاتية، وعلى التنوع في علاقاتها، وكان ذلك قبل الإعلان عن الزيارة الحدث التي يقوم بها اليوم الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى الولايات المتحدة الأميركية.


يحتاج الرئيس أوباما إلى دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ لإنجاح الاتفاق الذي يعد إنجازاً تاريخياً شخصياً له رغم ثقته بتصويت المجلسين على الاتفاق النووي مع إيران؛ لأنه يخاف أن يتحول إلى كارثة تاريخية على الولايات المتحدة الأميركية، وعلى الحزب الديمقراطي بالذات الذي سيدخل إلى الانتخابات الرئاسية فور التصديق على الاتفاق، وكان من الواضح في الأشهر الماضية صعوبة تسويق الاتفاق لدى الحرس الإيراني، وعدم قدرة روحاني وظريف على التأثير في سياسات إيران الخارجية، وخصوصا في مناطق النزاع العربية؛ ولذلك، ما يريده الرئيس الأميركي باراك أوباما من الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز أن يطمئن الحزبين -الديمقراطي والجمهوري- بأن هذا الاتفاق السيئ لن يؤثر في العلاقات العربية الأميركية التاريخية وهنا مأزق الرئيس أوباما.


أما ما يريده خادم الحرمين الشريفين فهو استقرار سورية واليمن والبحرين والعراق ويريد حلاً عادلاً للقضية الفلسطينية، وكل تلك القضايا لا تشكل أولوية لأميركا وإيران. والمملكة العربية السعودية لم تعد تعتمد على الدبلوماسية فقط، خاصة بعد دخولها "عاصفة الحزم" في اليمن التي تشكل مساراً جديداً في التعامل مع الاختراقات والتعديات، مع الحرص الشديد على العلاقات التاريخية مع الولايات المتحدة الأميركية المتعمقة يوماً بعد يوم على أساس الصداقة الحقيقية التي لا تجعل من الولايات المتحدة صديقاً وحيداً.


أعتقد أن قمة ماذا يريد العرب من أميركا، وماذا تريد أميركا من العرب المنعقدة - أمس - في الولايات المتحدة هي المرحلة الأصعب في التفاوض الطويل بين أميركا وإيران خلال السنوات الماضية، والذي أعطى فيه "الأميركي الذي لا يملك إلى الإيراني الذي لا يستحق" وهذا يستدعي عودة العرب إلى أنفسهم وإلى الحزم الذي أعاد الأمل إلى شعوبهم.


بعد القمة، وزيارة مجموعة من قادة التحالف العربي لكل من روسيا والصين والعديد من دول العالم، وتوقيع إعلان القاهرة بين الرئيس السيسي وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هل ستعقد قمة بين الملك سلمان القادم من قمة أوباما، وقبل قمته مع بوتين، والرئيس السيسي القادم من روسيا والصين، لجعل دول التحالف العربي قاطرة لنظام عربي جديد؟
&