& مطلق سعود المطيري

تبدلت أوضاع كثيرة في العالم العربي التي لم تخرج من واقع التنبؤات البحثية أو أي جهد فكري نافذ بل كانت نتاج رغبات شعبية مفاجئة مدفوعة بالإحباط والأمل خرج منها صوت الشارع القادر على تغيير زعامات كادت أن تكون مخلدة وقيام دولة للتطرف «داعش»، الجمهور العام صنع تغييراًِ يتناسب مع وعيه تماماً، فأنهى مفهوم الدولة التقليدية لصالح فوضى عامة يصعب السيطرة عليها أو التحكم بدرجات العنف فيها، فأصبح لا مكان للدولة في تطلعات الشعوب الثائرة، ليبيا لم تعد دولة وسورية واليمن والبقية تحاول أن توازن بين فوضى الشارع وسلطة الدولة..

لا يوجد عربي لا يعرف ماهي قضيته، ولكن لا يوجد عربي قادر على حل قضيته، وعدم قدرته على الحل لم تحد من نشاطه ولم توقفه عند حد المطالبات السلمية، فقد برهنت التجربة الثورية العربية أن الثائر العربي يتوقف فقط عن الفوضى عندما توجد سلطة للدولة تكون أقوى من صرخات احتجاجه الفوضوية، هل هذا يعني أن السلطات العربية تعمل على حفظ الاستقرار ومنع الانحدار نحو الفوضى وتبعاتها من دمار وهجرات قاتلة؟ بالطبع لا فرئيس مثل بشار الأسد لم يكن بيده قبل الثورة سوى مفاتيح السجون وبعدها براميل النار والعذاب، وجمع حوله مستشارين متخصصين في ترويض الوحوش البشرية واستخدامها، لذلك نجح في حصد أرواح الشعب السوري عندما طالب بتغييره، في ليبيا مات القذافي بسلاح الشعب وتحول الشعب الليبي إلى شعوب ليبية، وكأن لا يجمع بينهم سوى انهم كانوا في يوم تحت حكم القذافي فبنهايته انتهى سبب وجود الشعب الواحد والمعاناة الواحدة والتطلعات للمستقبل الواحد..

لا السلطة تعرف أن تحكم ولا شعوب قادرة على حذف أحقاد الماضي من حساباتها التي تحركها فوق الأرض لتفجر وتقتل وتختلف حول من المفروض أن يموت أولاً.. إن كان في السابق يعترض المواطن العربي على عدم قدرته على اختيار قيادته، فاليوم الاعتراض الأكبر يكون على حرية القتل التي يمارسها هذا المواطن بحق المواطن الآخر، فمثل هذا الوضع يجعل من غير المستغرب أن تكون لداعش دولة فهي من جمعت القتلة وأقامت بهم دولة ومنحتهم حرية القتل والنهب والاغتصاب، وهنا يكون من المناسب أن نسأل عن من يحرك الرأي الظالم في العالم العربي، وليس الرأي العام المدني، فليس الخطر أن تكون شيعياً حتى تقتل السنة ولا سنياً حتى تقتل الشيعة، فقط أن تكون عربياً وتملك حرية الظلم التي أتاحتها لك ثورات الفوضى، فالعربي الثائر يعرف كيف يقتل وكيف يموت ولكن لا يعرف كيف يحيا بوطن هو من سعى لإحداث التغيير فيه، فإن عرف العربي أنه هو من يحرك الرأي الظالم في دائرة نفوذ وعيه سوف يلغي حساباته في شبكات التواصل الاجتماعي، ولعل ذلك يكون كفارة لما اقترفه من ذنوب، أما ذنوب سلطاته فلا توبة لها إلا بتوبتها عن كراسي جمهورياتها المنتخبة بالدم والسجون والتشريد، أليس هذا الشيء يحتاج لمعجزة وزمن المعجزات انتهى؟