علي إبراهيم

يجب الاعتراف أن الرئيس الروسي بوتين استطاع أن يعيد فرض الاتحاد الروسي على الخريطة العالمية بعد نحو ثلاثة عقود من التهميش في النظام العالمي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، عوملت فيها روسيا كرجل العالم المريض.


وطبيعي أن يحتل لقاء أوباما وبوتين على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الاهتمام العالمي مع تداخل القوتين في كثير من القضايا العالمية، خصوصا الأزمة السورية وأوكرانيا.
وعشية اللقاء بين الزعيمين عززت روسيا أوراقها التفاوضية باتفاق تبادل معلومات استخباراتية مع العراق وإيران وسوريا، وإعلان أن اجتماعًا للاعبين الرئيسيين يشمل دول المنطقة وروسيا وأميركا سيعقد الشهر المقبل حول سوريا، من جانبه أكد الرئيس الأميركي استعداده للعمل مع روسيا وإيران حول سوريا.


وكما هو واضح فإن روسيا وجدت في الأزمة السورية مدخلاً للعودة بقوة إلى المنطقة التي كانت ساحة صراع بين القوتين العظميين، الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.


هل نحن بصدد عودة الحرب الباردة من جديد؟ من الخطأ الوقوع في هذا الوهم، صحيح أن موسكو أرسلت طائرات مقاتلة وأسلحة إلى الأسد، في أول وجود عسكري منذ طرد السادات الخبراء العسكريين الروس قبل حرب أكتوبر، إلا أن تصريحات بوتين في حواره التلفزيوني أمس حول عدم إرسال جنود إلى سوريا الآن تحمل إشارات بأنه لا يريد التورط عسكريًا.


والحقيقة أن أسوأ ما يمكن أن تتعرض له المنطقة هو أن تكون ساحة صراع دولي جديد تباع وتشترى فيه من دون مراعاة مصالحها، وأفضل ما يمكن أن تفعله دول المنطقة التي ستشارك في الاجتماع الدولي حول سوريا هو أن ترسخ رؤيتها لحل الأزمة السورية وأن تكون مستعدة لإرسال قوات في حالة الاحتياج إلى ذلك لحماية أو فرض السلام، فلا يجب ترك الوجود على الأرض لكل من إيران وتركيا.


ويجب الاعتراف بأن السياسة هي فن الممكن، وهذا بالتحديد هو الذي أدى إلى تبدل المواقف الغربية بهذا الشكل الصارخ بتصريحات مناقضة للسابق بأنه لا دور للأسد فأصبح له الآن دور في المرحلة الانتقالية بعد أن وضعت معظم القوى الغربية القضاء على تنظيمات التطرف والتكفير في سوريا كأولوية قبل الإطاحة بالأسد.


من الذي سهل انتشار المسلحين التكفيريين في سوريا، وأدى إلى أكبر عملية نزوح منذ الحرب العالمية الثانية؟ هذا سؤال أصبح من الماضي، فالمهم الآن إخراجهم منها قبل أن يدمروا كل شيء كالتتار بفكرهم العدمي، وعمليًا عندما تتوقف الحرب هناك ويبدأ البحث عن حل سياسي سيكون الأسد في موقف أضعف مما هو عليه الآن، ولن يستطيع أن يتهرب من مسؤوليته عما حدث لسوريا خلال 4 سنوات.


الدور الروسي قد يساعد في إيجاد مخرج من الأزمة السورية إذا نجحت موسكو في التعاون مع واشنطن في فرض مرحلة انتقالية، ويبدو أن هناك أطرافا في واشنطن تمهد لذلك، فليس معقولاً الإعلان عن دخول مقاتلين دربتهم واشنطن بأسلحة إلى سوريا، وبعدها بيومين يعلن أنهم سلموا أسلحتهم إلى «جبهة النصرة» التابعة لتنظيم القاعدة، كما كان غريبًا من البداية الإعلان عن دخول هؤلاء المقاتلين عبر الحدود في حين أن ذلك يفترض أن يكون سرًا عسكريًا.


إذا كانت موسكو تريد لعب دور إيجابي في الأزمة السورية، وهي لديها مخاوف من المتطرفين من جمهوريات روسية يذهبون للقتال في سوريا، فإن هذا لا يضير الأطراف العربية التي تريد المحافظة على سوريا في إطار المنظومة الإقليمية العربية، والاجتماع الذي اقترحته موسكو بمشاركة واشنطن فرصة لذلك.