محمد الساعد

في عام 1978، كانت العلاقات السعودية «السنية»، وإيران «الشيعية» في أحسن أحوالها، ولم يكن للنفَس الطائفي أو التنافس «الجيوسياسي» قادراً على تعكيرها، فما الذي تغير خلال العقود الثلاثة الماضية؟

&

من الغريب أن الإيرانيين ورثة الثورة الخمينية، لا يتذكرون أن السعودية، لم تعادِ الثورة الإيرانية، بل وقفت مع خيارات الشعب الإيراني في البحث عن مستقبل سياسي ملائم له غداة ثورته.

&

ولكن، وبعد عام واحد فقط من تلك الثورة، تحولت تلك العلاقات بسرعة إلى توترات مستمرة، وخيَّم عليها عقود من عدم الثقة، والتي سرعان ما تطورت إلى عداء استراتيجي، بل وصاحبها أحياناً اشتباكات عسكرية محدودة في سماء الخليج العربي كللت كلها بانتصارات سعودية.

&

لم يكن الموقف السعودي من الحرب الإيرانية العراقية، حباً في النظام العراقي البعثي، الذي كان يقوده آن ذاك صدام حسين، بل كان نابعاً من أن التحولات العميقة داخل إيران، كانت بالأساس رغبات آيديولوجية بامتياز، يقودها التعصب ويغذيها فكرة تصدير الثورة للجيران وتحديداً السعودية.

&

فوقفت السعودية بصرامة مع بغداد -التي سميت حينها «البوابة الشرقية» للعالم العربي-، ودافعت الرياض عن تلك البوابة دفاعاً مستميتاً؛ خوفاً من سقوطها في الأيدي الإيرانية، ومن ثم دخول الجار الفارسي إلى تخوم العالم العربي، حتى تحقق النصر الغالي بتراجع إيران وانكفائها داخل حدودها عام 1989.

&

وعلى رغم المحاولات العديدة التي قام بها سياسيون سعوديون وإيرانيون لرأب الصدع بين القطبين الكبيرين على ضفتي الخليج، إلا أنها لم تفلح في الصمود أشهراً عدة؛ لأن إيران لم تتخذ أبداً قرارها الصادق بإيقاف العبث في العالم العربي، وتهديد الفضاء السعودي في كل مكان يتاح لها ذلك، بدءاً من بغداد مروراً بدمشق وبيروت وانتهاء بصنعاء.

&

اليوم، تتقدم الرياض بخطوات جريئة نحو مناطقها الإستراتيجية، لتكون هي البوابة الشرقية للعالم العربي دفاعاً عنه وعن مصالحه، بعدما تخطت إيران كل الخطوط الحمراء، وسقطت عاصمتي العباسيين والأمويين في أحضانها، وكادت صنعاء تلحقهما.

&

المواجهة المفتوحة بين الرياض وطهران لم تكن أبداً رغبة سعودية، بل كانت موقفاً أخيراً، تلجأ إليه «الرياض» عندما تصبح أمام خيار وجود.

&

فإيران لم يتوقف احتكاكها الخشن مع السعودية عند دعمها واحتضانها لتنظيم للقاعدة-الذراع العسكرية للإخوان المسلمين-، وتمويل عملياتها داخل الأراضي السعودية، إضافة إلى بناء علاقات مشبوهة مع ما يسمى «المعارضة السعودية» في لندن، بل وصل إلى وقوف الحرس الثوري على الحدود السعودية في اليمن جنوباً، والبحر الأحمر غرباً، وهو أمر لم ولن تقبله الرياض مهما كلفها الأمر.

&

ولذلك، فإن محاولات تعكير الحج «الحساس» جداً سعودياً، واستخدامه سياسياً، وحرفه عن كونه عبادة لا رفث ولا فسوق ولا جدال فيها -كما جاء في القرآن الكريم-، وتحويله إلى معركة سياسية بغيضة، هي في نهاية الأمر ليست سوى جزء من معركة إيران مع الرياض، التي يبدو أنها تحولت سعودياً من التصدي لإيران، إلى مُسقط لمشروعها في العالم العربي، وهو ما بدأ في صعدة تحديداً، وسيتمر في قادم الأيام إلى كل منطقة إستراتيجية إيرانية.
&