خالد الحروب

السؤال الأول: لماذا لم تفتح روسيا وإيران بلديهما للاجئين السوريين، وكلا البلدين تدخل في الشأن السوري تحت مزاعم حماية السوريين من الإرهاب، وبرر إرسال سلاحه وخبرائه بمسوغ مساعدة الشعب السوري في محنته؟ والسؤال الثاني: لماذا لا يتوجه اللاجئون السوريون أنفسهم وبمحض إرادتهم إلى روسيا أو إيران؟ لا يبحث هذان السؤالان الاستنكاريان عن إجابة هي واضحة لكل من يتابع المأساة السورية بقدر ما يسلطان الضوء على مفارقة مُمضة كبيرة تُضاف إلى مفارقات مواقف هاتين الدولتين. روسيا تقفل حدودها في وجه السوريين لو أرادوا التوجه إليها. وروسيا ليست جهة مرغوبة للسفر أو العمل بالنسبة للاجئين، بعكس الدول الغربية التي يرغب في الهجرة إليها كثيرون، ومنهم روس أيضاً.

وإيران ليست بأفضل حالاً. والشيء المُفارق في الحالة الإيرانية هو قربها الجغرافي من سوريا، وبالتالي سهولة أن تكون جهة مطروقة من قبل اللاجئين السوريين. وعلى الرغم من ادعاء طهران الرسمي أن إيران تفتح حدودها للسوريين، وهو ادعاء يحتاج إلى تحقق، فإن السوريين أنفسهم يديرون ظهورهم لها ويغامرون بأرواحهم، ويلقون بأجسادهم في البحار والمحيطات عوضاً أن يصلوا لإيران بمخاطر لا تقارن مع تلك التي تواجههم عند توجههم إلى أوروبا.

&

إيران وروسيا تتحملان جانباً من المسؤولية عن استمرار الأزمة التي أدت إلى تهجير ما يقارب خمسة ملايين سوري إلى خارج بلادهم وأكثر من ذلك داخل بلادهم، فضلًا عن إرجاع سوريا عقوداً عديدة إلى الوراء عبر تدميرها التام. وكل ذلك من أجل الحفاظ على حكم فرد واحد يحقق للدولتين ما تريدان من بسط البلاد بطولها وعرضها كحصير مفتوح للنفوذ الإيراني والروسي. والبلدان يتحملان أيضاً جانباً من المسؤولية عن أي تقسيم قد يحدث لسوريا على رافعة إقامة وتأسيس «دولة الساحل العلوية» لتوفير قاعدة وجود دائمة للروس، وإطلالة دائمة للإيرانيين على البحر المتوسط. وفي خضم هذا التدخل «الاستراتيجي» في الشأن السوري والأرض السورية، وتحت لافتة الدفاع عن الأسد، يتحول الشعب السوري نفسه بملايينه إلى حطام يُداس تحت الأرجل. ومن يستطيع منه الهجرة والهرب لن يتأخر، فإما أن يلتهمه البحر أو تقذف به الأمواج ميتاً على الشواطئ، والمحظوظون ينجون شبه موتى. يحدث ذلك ولا يراه الإيرانيون والروس ولا طبعاً النظام في دمشق، وكأنه يحدث في كوكب آخر.

لا يكمن الخطر في لا مبالاة طهران وموسكو بملايين السوريين الذين لا يظهرون أساساً على شاشات رادارات الحسابات الاستراتيجية للعاصمتين، حيث ليس ثمة وقت للتفكير أساساً في قضايا هامشية و«تافهة» مثل لجوء ملايين إلى خارج سوريا، أو سقوط آلاف الضحايا. الضوء الأحمر يأتي من محاولة تبرير عدم استقبال إيران وروسيا للاجئين سوريين، وهو تبرير يكشف تفكيراً استئصالياً كانت ترجمة نظيرة له قد حدثت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، وحدثت ولا تزال تحدث في إيران بعيداً عن الإعلام ضد كل المكونات غير الفارسية في إيران، وعلى رأسها العرب على طول ساحل عربستان والداخل. ذلك أنه نسجاً وتناغماً مع تجارب البلدين «الباهرة» في الإزاحة الديموغرافية، يتصاعد حديث يكرر بأن اللاجئين السوريين الذين أجبرتهم حرب النظام وحلفائه على ترك بلدهم هم أصلاً من «أتباع» الجماعات التكفيرية أو المتعاطفين معها، ومن الذين لا يؤمنون بالعيش المشترك والتعددية الثقافية والدينية في سوريا، وبالتالي فإن التخلص منهم شيء جيد ولا ينبغي أن يثير الشفقة ولا التحسر. وتبعاً لهذا التفكير، إذا أضفنا الملايين السورية التي هجرت داخل سوريا نفسها بعيداً عن مدنها وقراها وأريافها وأضفناها لوصلنا إلى نتيجة سريعة مفادها بأن معظم الشعب السوري صاروا، وفق هذا الزعم، من «أتباع الجماعات التكفيرية»، ولا بأس في التخلص منهم، وإعادة تركيب سوريا ديموغرافياً وجغرافياً.

وبطبيعة الحال، وعلى خلفية البشاعة الطائفية والتقسيم الديني الحادث حالياً في قلب المأساة السورية، فإن استمرار سيل تدفق مئات الألوف من اللاجئين السوريين «أتباع الجماعات التكفيرية!» إلى خارج سوريا يعني التأثير في التوازنات الديموغرافية وربما قلبها رأساً على عقب في بعض المناطق، مثلما يحدث في مناطق الساحل والمحاذية للبنان، وما حدث في القلمون ثم الزبداني أوضح دليل. وخلاصة ذلك كله، أن التدخل والتغول الإيراني الروسي في سوريا يتم بأغلى الأكلاف على شعبها، وبأقلها على طهران وموسكو اللتين لا يلتفت سياسيوهما إلى السوريين وآلامهم وهجراتهم ولا يبدون أدنى استعداد ولو تظاهري بتحمل جزء من مسؤولية نتائج الأزمة وما تكشفت عنه من محنة إنسانية عارمة.
&