حسين شبكشي

يحاول الخبراء والمحللون الاقتصاديون تقديم وصف دقيق للمرحلة الحالية من تاريخ الإنسانية، فمنهم من شبه العصر الحالي بعصر العلماء، لأنه بحسب إحدى الدراسات الجامعية الأميركية اللافتة أنها قالت: إن أكثر من 80 في المائة من العلماء في تاريخ البشرية موجودون في آخر خمسين عامًا وبالتالي اليوم تعيش البشرية عصر تفريخ نتاج العلم والبحوث العلمية.


وهناك رأي آخر يقول إن البشرية قد دخلت عصر «النهايات»، فهناك نهاية عصر كل ما هو تقليدي ودخل العالم في العصر الافتراضي، وهذا يفسر نهاية استخدام الورق وقرب نهاية استخدام النفط واضمحلال مفهوم الحدود والسيادة للدول الوطنية لصالح مفاهيم جديدة مختلفة.


كل هذه التغيرات سيكون لها الأثر العظيم على الخطط التنموية للدول ونوعية التعليم المراد تحقيقه وطبيعة الاقتصاد المطلوب إنجازه والوظائف المأمول توفيرها.


العالم يتم تقسيمه إلى فسطاطين؛ الأول يوفر رأس المال والأفكار والثاني يقوم بتقديم الأيدي العاملة والمواد الخام، ولربط العلاقة بين هذين الفسطاطين سيكون هناك «ترتيب» جديد منه ما هو سياسي وآخر ما هو اقتصادي يتعلق بإنشاء تكتلات وسن أنظمة وقوانين وتشريعات وسياسات مؤثرة وفعالة ذات أبعاد غير مسبوقة (ولعل اتفاقية منظمة التجارة العالمية مثل عظيم في ذلك الأمر).


الميزة التنافسية للدول الصناعية الكبرى تتجه بقوة إلى حماية «الأفكار» وبالتالي سيكون رأس المال البشري هو أهم ركائز التوجه الاقتصادي الجديد، فالدول الصناعية تدرك تمامًا أن مواردها الطبيعية نضبت وأنها لن تستطيع أن تنافس في مجالات التصنيع التقليدي المعتمد على الأيدي العاملة المنخفضة التكلفة ولذلك سيكون لافتًا حجم «الشراسة القانونية» التي ستلجأ لها لحماية ملكيتها الفكرية أمام الدول الأخرى وإيجاد سد مانع يعيق الدخول في هذه المجالات المنافسة (وهذا يحصل تحديدًا وبشكل غريب في قطاعات الصناعات الدوائية التي يتم فيها حماية الملكية الفكرية للدواء المصنع من الدول الكبرى لفترة عظيمة من الزمن واستمرار بيعه بأسعار باهظة التكلفة).


الحروب الجديدة التي سيتم التركيز فيها على الحرب بالوكالة ستكون الجبهة الأهم فيها هي الجبهة العلمية والاقتصادية، فالدول الصناعية الكبرى تدرك أن هذه الجبهة هي الأهم والأخطر في مستقبلها الاقتصادي «المؤثر» القادم، وخصوصًا أن كبرى شركاتها الأهم هي شركات «أفكار» في الأساس وليست شركات منتجات كما كان عليه الوضع في السابق.


الاقتصاد الجديد بحاجة إلى «سياسة» جديدة تحميه وهذا يفسر لجوء الدول الصناعية إلى سياسات أكثر شراسة ضد دول العالم «الأخرى» لتصنيفها والحد من قدرات نموها.


إنه المشهد الجديد في عالم سريع التغيير.. إنه عصر النهايات للتقليدية، وعصر البدايات للمختلف.
&