& محمد آل سلطان

فنزويلا بلد صديق وشريك للمملكة العربية السعودية في منظمة أوبك وتعد رابع منتج فيها والأكبر في احتياطيات النفط في العالم ولديها موارد طبيعية هائلة أيضا في الغاز والمعادن والمياه والغابات المطيرة.. ولكن بالرغم من أن الشعب الفنزويلي يتمتع بأرخص بترول في العالم إلا أن الاقتصاد الفنزويلي يوشك على الانهيار، والتضخم ارتفع لديهم آلاف المرات، والمتاجر خالية من الحليب والمواد الغذائية الأخرى، والعملة الفنزويلية انهارت أمام الدولار في السوق لتصبح أقل من السنت الواحد، والناس هناك دخلوا زرافات ووحدانا تحت خط الفقر!

والنموذج الفنزويلي هو جرس الإنذار الذي ينبغي أن يرن وتسمع أجراسه في آذان وأذهان جميع الدول والشعوب التي تعتمد على مصدر دخل واحد بأكثر من 90%، فعندما تتوانى الحكومة والمسؤول عن اتخاذ القرارات الصعبة في أيام الرخاء وتستبدلها بالمنطق الشعبوي فإنها ستبدد كل احتياطياتها النقدية بسفه! ثم تبدأ بالاقتراض العشوائي، ثم تعجز عن سداد القروض وتمويل مشترياتها الأساسية لتدخل في نفق طويل ومظلم قد يقضي على كل آمالها ومستقبل أجيالها القادمة..!

ولن ينفع وقتها الحديث عن الترشيد أو التقشف ورفع كفاءة الإنفاق والبدء بتنويع مصادر الدخل ووضع الرسوم والضرائب والانتظار لعشر أو 20 سنة قادمة لقطف ثمرة التخطيط لنهضة صناعية تزيد الإنتاج وتعدل الخلل في الميزان التجاري إذ سيصبح الحديث عن الحلول وقتها تنظيرا وهراء! وفي أحسن الأحوال علاجا صعبا جدا يسحق في رحلة وصوله للشفاء ملايين الأسر والأنماط الاقتصادية السائدة!

والسعودية بلدنا الحبيب مازالت تتمتع باحتياطيات نقدية هائلة بالمقارنة مع غيرها ولديها، رؤية معلنة في 2030 لتعزيز مصادر الدخل الأخرى، ولكنها في الوقت ذاته تنفق أموالها بشكل ضخم سنويا وربما لو استمرت في هذا الاتجاه لسنوات قادمة فإنها ستبدد هذه الاحتياطيات وتبدأ بالاقتراض السلبي عندها تحت طائلة شروط صعبة للمقرضين! ولذلك فإن المسؤولية والأمانة تفرض على الدولة الرشيدة أن تتنبه وتمارس مسؤولياتها تجاه شعبها وأجيالها القادمة وهي في وقت القدرة والرخاء قبل أن تنزلق لا سمح الله في المستنقع الفنزويلي ولو بعد عدة سنوات! ولذلك اتجهت كحلول قصيرة المدى إلى رفع كفاءة الإنفاق والترشيد، وسن أنظمة كان ينبغي أن تفرض منذ عقود وسنين، ومعمول بها في سائر دول العالم مهما بلغ اقتصادها من تقدم وازدهار كضريبة القيمة المضافة أو الدخل أو رسوم الأراضي والبلديات والعمالة الوافدة... إلخ.

هذه خيارات سريعة ستمكن بلادنا بفضل الله في المدى القصير والمتوسط من عدم الارتهان لانخفاض أو ارتفاع أسعار النفط والحفاظ على قوتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية في سبيل الوصول بأمان إلى تنويع مصادر الإنتاج والاقتصاد في السياحة والاستثمار والصناعة ونقل التقنية وتشجيع الابتكار والاستفادة من كل مواردها البشرية والطبيعية للوصول لأهدافها المعلنة في 2030.

والمملكة بلا شك ستعيد، ويفترض أن تعيد توجيه خريطة الدعم والإنفاق عبر سلسلة من الأنظمة والقرارات المعلنة والمنتظرة بما يعزز الإنتاج ويحافظ على الطبقة الوسطى التي تعد حزام المجتمع، ويؤهل الشرائح الأقل لتشكل عاملاً وقيمة مضافة للاقتصاد لا عبئاً ثقيلاً عليه !!