فضفضة في حضرة الأزهر

 حمد الماجد

استاذ في جامعة الإمام بالرّياض، وعضو الجمعيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان وعضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله العالمي لحوار الأديان والحضارات - فيينا

تغير الخطخط النسخ العربيتاهوماالكوفي العربيالأميريثابتشهرزادلطيف

كان لقاء وفد الأزهر برئاسة الدكتور عباس شومان مع نخبة سعودية من العلماء والمفكرين والأكاديميين في الرياض فرصة ثمينة لحوار شفاف وصريح، خاصة والمنطقة تموج بصراعات سياسية ومذهبية وعرقية، تستدعي فعلاً تقوية الوحدة ورص الصف للحيلولة دون امتداد نيران المناطق التي اشتعلت فيها الحروب والقلاقل إلى الدول التي ما برحت تكافح من أجل سلامتها حتى لا تنتقل إليها ألسنة اللهب وشرار النيران.
وقد أظهر الأزهر مواقف صريحة ومشرفة في تحذير نظام إيران من مواصلة التبشير بالتشيع في الدول السنية التي لم يوجد فيها شيعة مثل مصر ودول الشمال الأفريقي، ولم تعد تنطلي شعارات النظام الإيراني البراقة بالوحدة الإسلامية والممانعة، وسار النقاش في تلك الأمسية الفكرية متناغمًا عن الخطر الإيراني وتمدد إيران المذهبي، وقد طلبت مداخلة قلت فيها إن ما يميز جبهة نظام إيران وحلفائها الدوليين والإقليميين هو تماسكها مع حلفائها وشركائها كالنظام السوري والحوثي وعلي صالح والأحزاب والحركات التابعة لها في العراق ولبنان وحتى في دول الخليج، ولم يلتفت النظام الإيراني وحلفاؤه إلى الخلافات المذهبية الاثني عشرية والحوثية الجارودية والنصيرية، ولم تكن العرقية همًّا يستحق الالتفات، ولا اكترثوا بعلمانية الأسد وبعثيته، ولم يهتموا بليبرالية رموز اللوبيات الإيرانية النشطة في الدول الغربية، لأن هذا التحالف المتماسك لديه رؤية واضحة في تحديد الخصوم وترتيبهم، الكل في هذا التحالف يشعرون بأنهم في سفينة واحدة إذا فرط فصيل أو نظام أو حزب في هذا التماسك بافتعال الخلافات البينية فهذا يعني خرقًا في السفينة ثم غرق الجميع.
هذا التماسك في التحالف الإيراني، وهم فئة معدودة محدودة لا تتعدى 10 في المائة، يفتقده المعسكر الآخر، وهو العالم الإسلامي بأسره والدول الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط خاصة؛ فالتحالف الذي تشكل لدعم الشرعية في اليمن تتسم مواقف بعض دوله بالارتباك، ومواقف الدول المحورية «السنية» في المنطقة متباينة تجاه أزمة الشعب السوري مع أنه يواجه نظامًا طائفيًا وحشيًا دمويًا، وبعضها ما برحت بوصلتها تائهة في ترتيب خصومها، فتجعل من خصومتها السياسية لفصيل سياسي داخلي الأولوية القصوى في تحديد سياساتها الخارجية، وهذا ما رأيناه على الصعيد اليمني والسوري الذي تقود السعودية فيهما تحالفًا دوليًا وإسلاميًا وتخوض حربًا استراتيجية.
الذي فاتني الحديث عنه في هذا اللقاء المهم مع وفد الأزهر، هو المؤسسات الدينية الرسمية في العالم العربي والإسلامي وعلاقتها بالمواقف السياسية وضرورة التخفف منها، لأن الدخول في معترك المواقف السياسية يعني في بعض الأحيان وقوع بعض هذه المؤسسات الدينية في حرج قد لا يسهل الخروج منه، فالناس تقبلت وتعودت على تقلبات مواقف الساسة، لكن لا يمكن أن تهضم ولا تفهم تقلبات العلماء الشرعيين والمؤسسات الدينية؛ فالمواقف السياسية تسيرها المصالح وليس الأمر كذلك في المؤسسات الدينية، لأن عدو الأمس قد يتحول إلى صديق اليوم، وحلفاء الأمس قد يتحولون إلى خصوم اليوم، ولو أن نظام حكم ما خاصم نظام حكم آخر، مثلا، واتهمه بالزندقة، أو في حالة أخرى اتهم حزبًا أو توجهًا ونعته بنعوت الضلال والخروج وربما التكفير فليس على المؤسسات الدينية أن تنبري لكل موقف فتوافقه، فالمواقف السياسية تنطلق أحيانًا من المناكفة السياسية وتبعثها الخصومة الحزبية، وهذا ما لا يصح أن تتوغل فيه المؤسسات الدينية كثيرًا، بل إن منح المؤسسات الدينية الرسمية شيئًا من الاستقلالية في المواقف يعزز مواقفها وتقديرها عند الجمهور، وهذا في غاية الأهمية لتجسير العلاقة وتقويتها مع الناس بعد أن عانت ردحًا من الزمن من شكوى مرّة بسبب ضعفها وتآكل نسيجها.

 .