ألف سنة وساعة

 سمير عطا الله

 يقول اللورد بايرون: «بالكاد تكفي ألف سنة لإقامة دولة، لكن ساعة واحدة تكفي لذرها في الرمال». يتولى أمر هذه الساعة عادة رجل واحد. أو خطأ واحد. عندما أقرأ الدراسات والندوات حول تحديد موعد بداية الانهيار العربي والفوضى العالمية الحالية، هل هي 2010 أم 2011؟ في تونس أم في ليبيا أم في سوريا؟ يعود بي الاعتقاد دومًا إلى رجل واحد وحدث واحد: بول بريمر، صاحب الحذاء المطاط القليل الأدب، وقراره حل القوات المسلحة العراقية. كيف يمكن أن تُبقي على دولة من غير جيش؟ وهل يجوز أن تعاقب رجلاً بمعاقبة بلده؟

انهيار السلطة في العراق كان بداية الانهيارات الأخرى. أشعلت واشنطن الحروب، ورحبت بالثورات ثم انسحبت. قصفت في ليبيا بكل أنواع الصواريخ، ثم رفضت أن تدرب جيشًا ليبيًا من ستة آلاف رجل يحل محل «اللجان». منذ قرار بريمر الأكثر عجرفة من صدام حسين، بدأ في العالم العربي خيط من التداعي. ومع التداعي الداخلي، بدأ التدويل الخارجي. وما لبثنا أن رأينا المنطقة ساحة يتزاحم فيها الروس والأميركيون والإيرانيون والأتراك والحلف الأطلسي.
وعندما يقال الآن إننا أمام خطر حرب عالمية ثالثة، ننسى أننا حقًا في حرب عالمية ثالثة. أزمة اللاجئين أدّت إلى تغيير وجه أوروبا وخروج بريطانيا من الوحدة. وروسيا حركت قواتها وأساطيلها على نحو غير مألوف منذ 50 عامًا. وتركيا تحركت عسكريًا على هذا النحو لأول مرة منذ أزمة قبرص. والأمم المتحدة ملتهبة بحرب الفيتو المتلاحق لأول مرة منذ الحرب الثانية. وإذ يبدأ الأمين العام الجديد للأمم المتحدة عمله، يرى أمامه عالمًا مختل الأوصال ومهدد الأمن، كما لم يحدث في أي عهد من عهود أسلافه.
في كل هذا الضباب الدموي، يبدو الحل العسكري مستحيلاً، والحل السياسي غائبًا. وفوق ذلك كله يبدو العالم مهددًا بأزمة اقتصادية كبرى. وبعدما كان معدل الهجرة من روسيا 30 ألفًا في العام ارتفع الآن إلى 400 ألف. وتعاني جميع دول أوروبا، من الركود والتضخم والكوارث المصرفية، بما فيها ألمانيا، التي كانت حتى الآن خارج دائرة الضعف.
قد تكون هذه الصورة القاتمة فرصة أمام الأمين العام الجديد لترميم المنظمة الدولية البالية، خصوصًا بعد العهد الأخير. ولا يمكن أن يتم أي إصلاح في هيكلها من دون أن تمثل حقًا واقع العالم. أي أن تضم في «نادي الكبار» العالم الإسلامي والهند، وتتمثل أوروبا أيضًا بألمانيا، وليس فقط بفرنسا وبريطانيا «المنتصرتين» في الحرب.
لم يعد هذا عالم منتصرين ومهزومين. ولا بد من منظمة دولية تحمي شعوبه من رعونة، أو همجية، الذين يفجرون حياتهم.