سمير عطا الله

 كم تبدو قراءة التاريخ مذهلة وهو بعد في التداول. أقرأ في «القيصر الجديد» للكاتب ستيفن لي مايرز تفاصيل الأيام الأخيرة من عهد بوريس يلتسين، والأولى من عهود فلاديمير بوتين، محاولاً البحث عن الدلالات. يبقى يلتمس قراره بالاستقالة سرًا حتى عن زوجته، ولا يخبرها إلا قبل قراءة الخطاب بقليل، فتهتف: «يا إلهي، ها هي أمنيتي تتحقق أخيرًا». أما زوجة بوتين فعندما تسمعه يلقي خطاب القبول، تلطم في حزن: «لقد فقدت، أنا وابنتاي، كل حرية خاصة».

يعتذر يلتسين، المعتل الصحة، من الشعب بعد ثماني سنوات من الحكم: «سامحوني عن الأحلام التي لم تتحقق، وعن الأشياء التي بدت سهلة، ثم تبين أنها شديدة الصعوبة. أطلب سماح أولئك الذين وثقوا بي عندما وعدت بأننا سوف نقفز من الماضي التوتاليتاري الراكد إلى مستقبل حضاري لامع. لقد صدقت ذلك الحلم. صدقت أننا سوف نحققه في قفزة واحدة. لم نفعل».
قال يلتسين أيضًا إنه فضل أن يسلم السلطة إلى سياسيين جدد في بداية الألفية الثالثة، مفضلاً عدم الانتظار. ثم استقل سيارة مصفحة إلى منزله. وفي الطريق اتصل به الرئيس بيل كلينتون، لكنه قال لمساعده: «أنا مُتعَب، قل له أن يتصل فيما بعد».
كان ذلك ظهر 31 ديسمبر (كانون الأول) 2000، وعند منتصف الليل ألقى رئيس الوزراء بوتين خطاب الرئاسة. وفي اليوم الأول دعا مجلس الأمن القومي إلى الاجتماع، فعلى ماذا ركز كلمته الأولى؟ لا تغيير في سياستنا الخارجية. لكنني أتعهد أمامكم بسياسة عسكرية جديدة. يجب أن نطور أسلحتنا التي أهملت أخيرًا، وأن نحل جميع المشاكل الاجتماعية التي تواجه قواتنا المسلحة!
أين يحتفل بوتين برأس السنة الجديدة؟ يستقل هو وزوجته (دون ابنتيهما) طائرة عسكرية إلى عاصمة داغستان، ماخاتشكالا. ومن هناك يستقل الجميع سيارات عسكرية مصفحة تنطلق بهم ساعتين ونصف الساعة إلى الشيشان، حيث يصلون المدينة الثانية في البلاد التي تبعد 25 دقيقة عن غروزني، وتدعى غودرمس.
كانت غروزني قد تعرضت الليلة السابقة إلى أقسى وأكثف أنواع القصف. استعرض بوتين الجنود ووزع الأوسمة العسكرية معلنًا «أريدكم أن تعرفوا أن روسيا تثمن عاليًا ما تفعلون. وهو ليس فقط من أجل استعادة كرامة روسيا وشرفها، بل أيضًا لحماية الاتحاد من التفكك». ثم شرب نخب الجميع، فيما كان تدمير غروزني يستكمل.
إلى اللقاء..