مطلق بن سعود المطيري

القضاء على تنظيم داعش في العراق تحت عنوان تحرير الموصل من الجماعات الإرهابية، والتي بدأت مراحل تنفيذه الاسبوع الفائت، وسط جدل محتدم بين أنقرة من جهة، وبغداد وواشنطن من جهة أخرى على خلفية شرعية مشاركة القوات التركية في معركة تحرير الموصل، خلاف يقدم النتائج على الاسباب، وليس العكس كما هو معروف بمنطق الاشياء، فما بعد التحرير او الخلاص من داعش هو الشيء المهم وليس القضاء عليه، فوجود مليشيات عراقية مدعومة من ايران تتحالف مع الاكراد هو بكل تأكيد مأزق حقيقي ستواجهه تركيا في المستقبل، فهذا يجعلها بمواجهة مشروع استراتيجي وليس أفرادا أو عصابات متمردة كردية..

فالحصار على تركيا بدأ يأخذ أشكالا متعددة: الحرب على داعش، حكم ذاتي للأكراد، الحلف الروسي الايراني العراقي، الدعم الاميركي للأكراد، وجغرافيا هذا الحصار يهددها من الجنوب حيث العراق وسورية ومن الشرق ايران، فطهران من صالحها ان تحصر قضية الاكراد في تركيا وتبعدهم عنها تماما، فأغلب الاوراق في يدها الآن السيطرة الكاملة على العراق وتقاسم النفوذ مع روسيا في سورية، هل تستطيع تركيا ان تعطل هذا المشروع الاستراتيجي الذي بدأ يزحف نحوها؟

حلف الناتو التي تحمل تركيا بطاقة عضويته، ليس الجهة التي يمكن ان تستعين انقره به، لأسباب خاصة بالهيمنة الاميركية عليه، فالاكراد اليوم اقوى منها من حيث التحالفات: ايران واميركا وروسيا والعراق واسرائيل، وجميعهم يشتركون في مشروع استراتيجي واحد يستهدف ضرب السنة والعرب، فالارهاب وفق هذا التحالف سني المذهب واخطاره تمتد للعالم بأكمله، أما المليشيات الشيعية فتطرفها مذهبي حدوده المنطقة العربية، والاكراد قومية تبحث عن تقرير المصير، أما السنة فلهم طموحات اممية تتجاوز الحدود وتهدد الحضارة الغربية، فالسني أصبح وصفه بين الخطر القائم والخطر المحتمل، ولن تستطيع سنة المنطقة الخروج من هذا التصنيف مهما حاولت.

هل تحالف القومية العربية مع القومية التركية يكون حلا؟ قد يكون حلا تنظيريا ولكنه واقعيا ليس حلا، فتاريخياً القوميتان شهدتا عداء ممتدا الى هذا الوقت، واستراتيجيا لا يمكن جمعهما في مشروع واحد، لأن الخطر الواحد عليهما يتطلب منهما تضحية واحدة منهما بالأخرى حتى تبقى الأخرى، وإن دفعتا لهذا الخيار ستكون تركيا اقرب للبقاء من العرب بسبب قوتها الذاتية.

الوضع يدفع نحو المخاطرة، ومن هذه المخاطرة ان تعمل انقرة بان تكون عاصمة السنة مع الرياض، وبهذا يصبح تمثيل الخطر مشروعا سياسيا، يصعب الاقتراب منه الا سياسيا، فالاقتراب منه عسكريا يفتح منافذ كثيرة للخطر، فالتحالف المذهبي اصبح اقوى من التحالف القومي، فهذا الاتجاه يعبر عن حالة طوارئ يجب دراستها جيدا وليس عن حالة تحالفات حول قواسم ومصالح مشتركة بعيدة عن حالة الطوارئ، فالمصلحة في هذا الوقت منحصرة في الوجود من عدمه.