الياس حرفوش

 تراوحت التعليقات على خطوة الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية بين وصفها بالخطوة الشجاعة، أو بالمخاطرة الكبرى غير المحسوبة العواقب. وكان لافتاً أن الحريري نفسه لم يخفِ تشكيكه بخطوته تلك وبما يمكن ان تؤدي اليه من عواقب، مع أنه برّر قراره بأنه كان الخيار الأخير المتاح لتحريك المأزق الرئاسي في لبنان.

غير أن هناك سبباً جعل خيار عون هو الخيار الأخير، وجعل مقعد الرئاسة مرشحاً لفراغ مديد، إلا اذا شغله عون. هذا السبب هو حالة التعطيل التي فُرضت على المجلس النيابي، ومنعت اكتمال نصابه لأكثر من سنتين ونصف السنة، وكان الشرط الوحيد لقيام النواب بهذا الواجب الدستوري هو أن ينتهي اجتماعهم بانتخاب ميشال عون ولا أحد سواه.

هذه هي الصورة التي غفل الحريري عن التطرق اليها في مطالعته العاطفية التي برّر خلالها دعمه ترشيح عون. مع أنه سبق أن دعا في مناسبات عديدة النواب المقاطعين الى حضور جلسات الانتخاب، والتصويت لمن يشاؤون، ولينجح من ينجح. أما سبب غفلة الحريري تلك، فهو أن التطرق اليها كان سيوجّه اصبع الاتهام مباشرة الى «حزب الله»، كونه الطرف الذي فرض على حلفائه مقاطعة جلسات الانتخاب، لمنع وصول أي مرشح ليس مضمون الولاء للحزب ولا يتمتع ببرَكته. لقد كان موقف «حزب الله» هذا هو الذي منح عون هذه الأرجحية، ما حوّل ترشيحه الى رقم يصعب تجاوزه. وفي هذا لم يكن الإعلام القريب من الحزب بعيداً عن الحقيقة، عندما وصف خطوة الحريري بدعم عون على أنها «استسلام». فبسلاح التعطيل قطع «حزب الله» الطريق على جميع المرشحين من حلفاء وخصوم ومستقلين، وفرض نفسه كالناخب الأكبر الوحيد وصاحب القرار الأول والأخير في المسيرة المقبلة في لبنان اذا اتيح لها ان تنطلق بعد 31 الشهر الجاري.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحزب سلاح التعطيل كأداة لفرض قراره من خلال خرق الأصول الدستورية. فـ «الثلث المعطل» كان جاهزاً على الدوام في الحكومات التي كانت توصف بـ «الوفاقية»، ولا بد أن الحريري نفسه يذكر أنه كان أحد ضحايا هذا السلاح عندما كان رئيساً للحكومة عام 2011. وهي تجربة صالحة للتكرار في أي وقت.

يزعم أنصار عون، المدافعون عن تعطيل الجلسات الانتخابية، أن تسلّم زعيمهم مقعد الرئاسة الأولى سوف يعيد للمسيحيين حقوقهم، أسوة بالطوائف الأخرى، باعتبار عون المرشح المسيحي الأقوى. غير أن هذه الحجة تتجاهل أن هيمنة عون أو أي زعيم آخر على «جماعته» انطلاقاً من خلفيات طائفية ولخدمة مصالح طائفية ليست الطريق الصحيح لقيام مشروع انصهار وطني. لكن من وقف وراء «القانون الأرثوذكسي» السيء الذكر، الذي كان سيتيح لكل طائفة اختيار من يمثلها من ابناء طائفتها في المجلس النيابي، من فعل ذلك لن يبالي كثيراً بمسألة الانصهار الوطني.

من حسن حظ عون أن «جماعته» تتميز بضعف الذاكرة ولا تحاسب على ارتكابات الماضي، عندما تولى عون رئاسة حكومة انتقالية في فترة حرجة شبيهة بالفترة الحالية، وما أدت اليه من انقسام مسيحي عميق بلغ درجة الحرب الأهلية المسيحية، ومن هزيمة عسكرية على يد من تحولوا بعد ذلك الى حلفاء، هزيمة لا يتردد أنصار عون عن الاحتفال بها على أنها انتصار، على رغم ما دفعه لبنان بسببها على مدى 15 سنة!

اذا وصل عون الى مقعد الرئاسة بعد اسبوع سيكون مكبلاً بجملة تحالفات وبالتزامات دولية على لبنان مواجهتها. هو «متفاهم» مع «حزب الله»، و»نواياه» طيبة مع «القوات»، وقلبه الآن على الحلف الجديد مع سعد الحريري، بعدما صار «الإبراء المستحيل» في ذمة التاريخ. وبين كل هذه التناقضات لم يكن لعون من هدف سوى الحصول على لقب «فخامة الرئيس». وإذا كان لكثيرين الحق في أن يضعوا أيديهم على قلوبهم بعد تجارب الماضي، لكن الجهة الوحيدة التي تبدو واثقة من سلامة قرارها هي الجهة التي سمحت بشلّ البلد عامين ونصف العام لتصل الى هذه النتيجة.