رنا نجار 

ألهبت المغنية والممثلة إيفون الهاشم مسرح «ذي بالاس» مساء أول من أمس، حماسة وفرحاً وطرباً بأغانيها الخاصة مثل «رح فلّ» و«عال» و«شارع الأحلام المنسية» و«الحب» و«معليش» و«انتحر الحب» و«كأني» و«لو تعرف»، التي أدّتها بإحساس عال جداً ونبرة حنونة وحزينة مغناج دمجتها بطاقة صاخبة حافلة بالنشاط والابتسامات الرائعة.

وطعّمت الشابة الجميلة صاحبة الصوت المهذّب والثقافة الموسيقية العالية، السهرة الممتعة، بمجموعة من الأغاني الكلاسيكية العربية والفرنسية والإسبانية القليلة التداول اليوم، لجاك بريل وشارل أزنافور وليلى مراد وشادية وكايتانو فيلوسو (Caetano Veloso) وسعاد ماسي.

فاجأت تلك الصبية الذكية التي تعرف كيف تتعامل مع طبقات صوتها وكيف تتنقل في أدائها بين الحزين والفرِح والحنون والقاسي والحازم والقوي والمغناج والعنفواني، الجمهور اللبناني بتميّز حضورها على المسرح كشعلة منطلقة لا تتوقف.

والجمهور تنوّع في الحفلة ما بين الشاب والمخضرم وكبار السنّ. ومنهم من يحفظ أغاني إيفون عن ظهر قلب، وقد ردّد كلماتها بصوت عال بحب وحماسة، مرافقاً المغنية مثل كورس أو جوقة عفوية، ما أعطى للحفلة مذاقاً خاصاً.

لكن بعض الجمهور لا يعرف صوت إيفون الهاشم وأغانيها إلا من خلال التلفزيون (مسلسل «عائلة متعوب عليها») والمسرح («نساء الساكسوفون» و«أوبرا الضيعة»)، ومن خلال أسطوانتها «معليش» (2015)، لكنه فوجِئ بأن أداءها المباشر وصوتها الصادح على المسرح أقوى بكثير من التسجيل. وهذه ميزة قلّما يحملها الفنانون خصوصاً الشباب منهم والمخضرمين. ويُقال إن المسرح يعرّي موهبة الفنان وقدرته على العطاء والارتجال، فإما أن يعلي من شأنه وإما أن يسقطه.

وأثبتت إيفون في هذه الحفلة أنها فنانة حقيقية كاملة، ليس على صعيد تأليف كلمات أغانيها وألحانها الخارجة عن المألوف، بل في أدائها وطريقة عرض مشاهد الأغنية من خلال صوتها. فكل مشهد أو حكاية أو صورة تعرضها أغنية ما، تكاد تراها على المسرح عندما تغني إيفون، نظراً إلى الإحساس المرهف والطاقة الرهيبة اللذين تتمتّع بهما إضافة طبعاً إلى موهبة الفنانة في التمثيل والإخراج والأداء. فعندما تؤدي «كما يقولون» (Comme ils disent) التي أعطاها حقوق تسجيلها الفنان الفرنسي الأرميني شارل أزنافور، تتراءى إليك شخوص الأغنية وأشكالها ومعاناتها مع الحريات الشخصية. ولا ننسى طبعاً أن الفنانة تجيد الغناء بأربع لغات كأنها لغاتها الأم، بكل حرف ولهجة. وهذه العناصر كلها ليس سهلاً إيجادها في شخص واحد. هي فنانة شاملة فعلاً، تستحق الدعم وتستحق استضافتها في مهرجانات عربية وعالمية عريقة أولها مهرجانات بعلبك وبيت الدين وجبيل والزوق.

الهارموني، أو الانسجام، طغى على جوّ الحفلة بدءاً من ديكور مسرحها والصالة، إلى فستان المغنية الأسود الطويل البسيط والأنيق الذي صمّمه سيرجيو مسعود من «Maison Lesley»، إلى العناية في اختيار ريبيرتوار الأغاني، وصولاً إلى اختيار الموسيقيين وهم طارق سكيكر (قائد الفرقة وعازف البيانو) وزياد الأحمدية (عود) وعمر حرب (بايس) وسلمان بعلبكي (رق وإيقاع) وعادل منقارة (غيتار) وجيو ناجاريان (درامز). فكان الجوّ حميماً يجمع الطربي والمعاصر إذ عمدت إيفون إلى تقديم أغانٍ وجوّ يشبه جيلها ولو أدت أغاني من الستينات وإنما بتوزيع معاصر يشبه روحها وصوتها الهائمين كفراشات ملوّنة في الغابات العذراء.