خالد أحمد الطراح

في مقال سابق بعنوان «حصار اعلامي جديد» تناولت موقف جمعيات النفع العام من المشهد السياسي ككل، لكن هنا اود التوقف عند الحل غير الدستوري في عام 1976 ومواقف وردود الفعل لجمعيات النفع العام وتحديدا البيان الذي صدر بعنوان «وامرهم شورى بينهم». وكوني احد المتابعين للتطورات الراهنة التي تزداد احتقانا بينما في واقع الامر هو تأزيم متعمد في دولة الدستور المكتوب!
هذا الامر دفعني الى مراجعة موقف جمعيات النفع العام مما تشهده الساحة المحلية حاليا وفي الماضي القريب، وايقنت ان هناك حراكا واستجابة سريعة من معظم جمعيات النفع العام والقيادات السياسية المختلفة للحل غير الدستوري لعام 1976. فبادرت بانتقائية متعمدة الى التعرف على موقف رابطة الادباء من تلك الفترة من خلال اللقاء المباشر مع اخوين عزيزين من اعضاء الرابطة وهما الدكتور سليمان الشطي والدكتور خليفة الوقيان، فهما من الشخصيات الذين عاصروا عهدا عاصفا بجرأة وحكمة.
اكبر محنة عاشتها الكويت كانت هي محنة الغزو الصدامي، لكن هناك ايضا عواصف مختلفة عن محنة الغزو تاريخية المضمون، تتعلق بمسيرة الديموقراطية وتحديدا مراحل التطور السلبي للحياة الديموقراطية.
الاخ د. الشطي، تفضل مشكورا، بتزويدي بنسخة عن بيان جمعيات النفع العام خلال تلك الفترة وشرح لي كل التفاصيل ذات العلاقة اعتمادا على ذاكرة حاضرة، وكذلك الاخ د. الوقيان الذي روى لي تفاصيل دقيقة ايضا عن فترة تعتبر شرخا سياسيا في تاريخ الكويت بنبرات لم تخل من الألم والحسرة.
البيان الذي صدر آنذاك تناول «تعليق الفقرة الثالثة من المادة 56 من الدستور وعلقت ايضا المادة 107 من الدستور التي تقضي بوجوب اجراء انتخابات في غضون شهرين في حالة حل مجلس الامة والا استرد المجلس كامل سلطته الدستورية، وعلقت المادة 147 من الدستور التي تنص على عدم جواز تعطيل احكام الدستور الا اثناء قيام الاحكام العرفية في الحدود التي بينها القانون». وتبع ذلك صدور قانون بتعديل قانون المطبوعات، بحيث يستطيع مجلس الوزراء ان يعطل اي جريدة لمدة سنتين او يلغي ترخيصها اداريا اذا ثبت انها تخدم مصالح دولة او هيئة اجنبية او ان سياستها تتعارض مع المصلحة الوطنية.
مضمون البيان كان مسطرا بلغة حصيفة مترجما لمشاعر وردود الفعل الشعبية، وحاز دعم كل من رابطة الادباء والاتحاد العام لعمال الكويت وجمعية الصحافيين وجمعية المحامين ونادي الاستقلال – قبل وأده – وجمعية المعلمين والاتحاد الوطني لطلبة الكويت باستثناء جمعية واحدة هي جمعية الخريجين!
رابطة الادباء كان يرأسها المرحوم باذن الله الاديب احمد السقاف، وكان يشغل حينذاك منصب سفير في وزارة الخارجية، لم تثنه وظيفته عن التفاعل الايجابي مع صدمة تاريخية للشعب الكويتي، فيما كان لجمعية الخريجين موقف مغاير.
مفارقة تاريخية لا تحتاج الى التحليل اعيد طرحها للتذكير بمن ركب تيار العمل السياسي كواجهة للبروز، وهم كثر، حتى ينضموا الى بطانة «فريق» الحكومة!