هل خضع الحريري لسياسة الضغط والابتزاز أم لوعد بإقامة دولة لا دولة سواها؟

اميل خوري

إذا كان الرئيس سعد الحريري قرّر بعد مرور سنتين ونصف سنة على الشغور الرئاسي تأييد ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية فلأن "حزب الله" نجح في تعطيل انتخاب الرئيس وشلّ عمل مؤسسات الدولة بحيث بات الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد ضاغطاً وعلى حافة الانهيار. فهل يُعتبر هذا استسلاماً أو خضوعاً لسياسة الضغط والابتزاز التي قد يلجأ إليها كل مرشّح للرئاسة قادر مع حزب فاعل على أن يفعل ذلك ليفرض نفسه رئيساً، وأن الخضوع والاستسلام لمثل هذه السياسة يشجّع كل مرشّح للرئاسة على أن يفعل ما فعله عون و"حزب الله" ومكافأة له... أي إمّا أن يكون من يريده رئيساً للجمهورية وإلّا فلا رئيس حتى ولا دولة ولا مؤسّسات. وهو ما يجب مواجهته والتصدّي له. يقول الرئيس الفرنسي شارل ديغول: "إذا كنتَ ضعيفاً وأنت تواجه قوياً قل له: "لا لئلا يتشجّع كل قوي على ابتزاز الضعيف"، وعلى تطبيق مقوله "كل فاجر يستطيع أن يأكل مال التاجر".

أمّا إذا كان الرئيس الحريري قد أيّد ترشيح العماد عون للرئاسة من أجل إقامة الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، فإن قراره يكون صحيحاً وصائباً وواقعياً وإن كانت فيه تضحية شخصيّة وشعبيّة من أجل مصلحة الوطن، وتكون الأسباب الموجبة لقرار الحريري لها ما يُبرّرها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل في استطاعة العماد عون أن يقيم هذه الدولة التي لم يستطع سواه إقامتها منذ عام 2005 لأن "حزب الله" ومن معه نجح في ممارسة سياسة الضغط والابتزاز وسياسة الترهيب والترغيب على الأكثرية فمنعها من إيصال رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة منها تحت طائلة التهديد بتعطيل الانتخابات الرئاسيّة وتشكيل الحكومات بغية إحداث فراغ شامل يفتح أبواب الفوضى العارمة على لبنان؟
لقد أعلن الرئيس الحريري أنه توصل مع العماد عون الى اتفاق على نقاط جعله يؤيّد ترشيحه للرئاسة، لكن أحداً لا يعرف حتى الآن ما هي هذه النقاط، أهي تقاسم مصالح ومنافع، أم هي نقاط تشق طريق العبور إلى الدولة وهو شعار رفعته قوى 14 آذار قبل عشر سنين وظل شعاراً ولم يتحوّل قراراً لأن "حزب الله" وضع سلاحه في خدمة مطامع إيران التوسّعية في المنطقة، حتى إذا ما تحقّق ذلك تخلّى طوعاً عن سلاحه. فهل يعجل تأييد ترشيح عون للرئاسة في تنفيذ المشروع الإيراني التوسّعي ليصبح في الإمكان إقامة الدولة التي لا سلاح غير سلاحها؟ وهل في استطاعة عون إقامة مثل هذه الدولة من دون انتظار تنفيذ إيران مشروعها كاملاً في المنطقة؟
الواقع أن العماد عون إذا صار رئيساً للجمهورية فقد يواجه أحد خيارين: إمّا أن يقيم الدولة القوية التي لا سلاح غير سلاحها، وإمّا أن يستسلم مثل سواه لواقع دولة "حزب الله" ولأسباب شتى... فيدفع عندئذ ثمن الإخلال بتعهّداته سياسياً أو جسدياً. فالرئيس بشارة الخوري عندما أخلَّ بتعهده وعمل على التجديد لنفسه أسقطه الشارع. والرئيس كميل شمعون واجه أحداث 58 لأنّه جعل نفسه طرفاً في صراع النفوذ بين أميركا وبريطانيا في المنطقة. والرئيس فؤاد شهاب رفض التجديد ليبقى خارج صراع الدولة على النفوذ في المنطقة. والرئيس الياس سركيس رفض التجديد أيضاً خوفاً من أن يفرض عليه توقيع سلام مع إسرائيل التي ظنّت أن وصول الشيخ بشير الجميل للرئاسة سيحقّق لها ذلك، فتم اغتياله واغتيل بعده الرئيس رينه معوض لتصميمه على تنفيذ اتفاق الطائف بدءاً بوضع جدول زمني لانسحاب القوات السورية من لبنان. ودفع لبنان في ظل عدد من الرؤساء ثمن التخلص من السلاح الفلسطيني ومن وصاية سورية دامت 30 عاماً. وعندما رفض العميد الراحل ريمون إده الشرط الأميركي وهو الموافقة على بقاء القوات السورية في لبنان، امتلأ منزله بعد ساعات بالمحازبين والأنصار والأصدقاء، وقالوا له: "إقبل بشرط أميركا، وعندما تصبح رئيساً للجمهورية إفعل ما تشاء". فابتسم إده واكتفى بوضع يده على عنقه قائلاً لهم: "لستُ مستعدّاً لأن يُقطع رأسي من أجل الرئاسة"، لأن هذا مصير كل مرشّح للرئاسة يعد الدولة التي أوصلته الى سدّة الرئاسة ولا يفي بوعده، أو يفعل ما لا تريده هذه الدولة أو تلك..