حسين شبكشي

 الحرب القادمة هي حرب اقتصادية بامتياز، حرب على ثقة المستهلك وحرب على العملات وحرب على الاستثمار وعلى التوظيف.

الحروب الجديدة هي حروب نظيفة وأكثر دقة في إصابة الهدف المنشود وإحداث الأذى بشكل أكبر وأدق وأطول من دون أن تتحمل الدولة «المعتدية» أي تكلفة في البشر ولا الأنفس. وأولى علامات هذه الحرب الشرسة هي حروب العملات، هناك صراع لم يعد خفيا بين الدولار الأميركي واليوان الصيني والمعركة حامية الوطيس، أميركا تطبع وتنشر عملتها في كل أنحاء العالم لقناعتها بأن العالم كله بحاجة لملاذ آمن، والملاذ الآمن هذا هو في اعتقادهم سيكون دوما الدولار الأميركي.
الصين باتت لديها قناعة سياسية كاملة بأن الدولار الأميركي ما هو إلا مشنقة تخنق الدول وتعلقها كنوع من الموت البطيء، وبالتالي بات عليها أن تتخلص من هذا «الخطر والهم الكبير جدا». وهي اليوم تقوم بذلك بشكل دقيق وبطيء. فاليوان الصيني بات العملة الأكثر تداولا في قارة أميركا الجنوبية وهو اليوم العملة الأكثر نموا في كل من القارة الأفريقية والآسيوية.
واختارت الصين أن تعتمد العملة الوطنية كوسيلة سداد في الكثير من تعاقداتها الجديدة وأبقت الكتلة الغربية في أوروبا وأميركا الشمالية خارج حساباتها حتى الآن. وما يقال عن العملات وأثرها من الممكن أن يقال على تطوير وسائل التصنيع، فهناك اتجاه متصاعد لاعتماد آلية التصنيع بالإنسان الآلي ستعيد الصناعة إلى الغرب نظرا لعدم اعتمادها على الأيدي العاملة الرخيصة وهي كانت الميزة التنافسية الأولى للدول الآسيوية، وبانتهاء هذه الميزة ستوجه ضربة عظيمة لاقتصاديات هذه الدول فتكون «البطالة» ومشاكلها مشكلة جديدة ستضطر لمواجهتها والتعامل معها بجدية وجدارة.
المعايير الجديدة للحروب الاقتصادية اختلفت عن السابق والأدوات أصبحت أكثر شراسة. فاليوم هناك ضربات توجه في العمق لكل طرف، وهذه الضربات من النوع الاقتصادي، وشاهدنا العقوبة العظيمة الهائلة التي أقرها الاتحاد الأوروبي بحق شركة آبل العملاقة بحجة التهرب الضريبي عن فترة سابقة وكانت بقيمة 14 مليار يورو، وهي عن فترة بعيدة جدا أشبه بمن ينبش في دفاتره القديمة ليرد الأميركان الدين لأوروبا بعقوبة وجهت لبنك دويتشه (البنك الألماني) بمبلغ 14 مليار دولار (نفس القيمة تقريبا).
إنها رد الجميل المؤلم بصورة فورية. الحرب الاقتصادية انطلقت وسوف تكون أشد ضراوة ولن يتحملها إلا من استعد جيدا لها.