عبد الرحمن الراشد 

 قدم ثلاثة من وزراء حكومة حسن روحاني استقالاتهم نتيجة انتقادات المتطرفين لهم، ضمن صراع نشب منذ توقيع إيران اتفاقها النووي مع الغرب ووعد الحكومة ببدء مرحلة انفتاح جديدة. وقد عاشت إيران مرحلة انغلاق اقتصادية واجتماعية رافقت وصول نظام آية الله الخميني واستمرت إلى اليوم. وبعد الاتفاق، رفعت الحكومة توقعات الشباب بالانفتاح، وأبدت مرونة ملحوظة حيال حريات التعبير، حيث سمحت بوسائل التواصل الاجتماعي، وقلصت الرقابة على الإنترنت، وسمحت للنساء بالنشاطات الرياضية العلنية، وحضور الحفلات الموسيقية وغيرها.
ورغم ما قيل عن موافقة المرشد الأعلى على قرارات الحكومة فإن الصراع شب على النفوذ بين الفريقين داخل النظام؛ المتطرفين الدينيين من جهة، والحكوميين من جهة أخرى، بقيادة روحاني، وكذلك وزير خارجيته ظريف، الذي تعرض لسيل من الشتائم بسبب وعوده بالانفتاح على العالم.
وليست كل الانتقادات والتهديدات التي تسببت في استقالة وزراء التعليم والثقافة والرياضة تعبر عن الخلافات الفكرية حول الانفتاح، بل تعكس أيضًا استخدام القوى المتطرفة للجماعات الدينية ضمن الصراع على السلطة. فالحرس الثوري، والقوى الدينية المؤيدة له، فوجئوا بأن بنكين رئيسيين يرفضان تقديم خدمات مصرفية لمجموعة اقتصادية تتبع للحرس الثوري الإيراني اسمها مجموعة «خاتم الأنبياء»، ضمن تعهد قطعته الحكومة للمنظمات الدولية بتطبيق اشتراطاتها في مكافحة غسل الأموال. وقف التعامل مع المنظمات الداخلية المحظورة شرط دولي وثمن الانفتاح، مما أغضب أخطر فريق في النظام، وهو الحرس الثوري، الذي يقوم بتمويل نشاطات عسكرية هائلة في خارج إيران من خلال سلسلة عمليات مصرفية مشبوهة.
ودخل على الخط خطيب الجمعة، أحمد جنتي، الذي اتهم حكومة روحاني قائلاً: «إنهم يريدون تقديم معلوماتنا المالية والمصرفية إلى الأعداء، باسم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب». ورد عليه المتحدث باسم الحكومة بأن الحديث عن هذا الموضوع ليس مكانه الصحف أو منابر المساجد. وهذا يعني أن الضغوط الداخلية الشديدة على حكومة روحاني ليس سببها الانفتاح الاجتماعي، وزيارة عدد من فرق الرياضة النسائية العالمية للعب مع الفرق الإيرانية، والحفلات الفنية المختلطة، بل يبدو أنها مبررات تستخدم في الضغط على حكومة روحاني لوقف التزاماتها الدولية.
إيران تتقاذفها جماعتان؛ فريق روحاني الموصوف بأنه يمثل ليبرالية دينية، ورجال الدين المتطرفين في بلاط المرشد الأعلى، الذي لا يبدو أنه قد حسم قراره بعد. فهو يريد أن يستفيد من الاتفاق النووي مع الغرب بكسر الحصار، مثل شراء نحو أربعمائة طائرة أميركية وأوروبية، والتبضع في سوق تقنية إنتاج النفط من الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت يريد السيطرة على الداخل، ومنع الانفتاح، وحماية تعاملات أجهزته الأمنية والدينية من الرقابة الدولية.
ومن الواضح أن المرشد يراقب وينتظر ما تفضي إليه التعاملات الغربية مع إيران، خاصة بعد الانتخابات الأميركية، التي وصفها المرشد بأنها تجري «بين السيئ والأسوأ». فإن قامت الإدارة المقبلة في واشنطن بتنفيذ وعود الإدارة الحالية، فالأرجح أن إيران ستجرب حلولاً مختلطة، قليلة التحديث، مع تحجيم الانفتاح، والاستمرار في عملياتها العسكرية والمالية المحرمة في المنطقة. أما إذا اتضح أن الإدارة الأميركية المنتخبة ستصر على اختبار الوعود الإيرانية، والتعاون معها بقدر تنفيذها وعودها، فإن المرشد قد يقبر الاتفاق، والأرجح أنه لن يجدد لروحاني، الذي بقي في رئاسته أقل من عشرة أشهر، أيضًا.