تغريد الطاسان

 تلقيت دعوة كريمة لحضور حفلة افتتاح معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الذي يوصف بأنه أهم سوق تجارية للكتب ووسائل الميديا وحقوق الملكية الفكرية ورخص نشر الكتب في العالم، إذ يلتقي فيه خبراء صناعة الكتاب، من الناشرين وأصحاب المكتبات، ووكلاء دور النشر، ومنتجو الأفلام، والمؤلفون، ويبلغ عدد العارضين فيه هذه السنة 7 آلاف عارض من أكثر من 100 دولة، ليس بينها المملكة هذا العام، وذلك للمرة الأولى منذ عشرات السنوات، وهذه قضية تستحق الطرح.

فلسفة هذا المعرض تختلف تماماً عن الفكرة السائدة في عالمنا العربي عن معارض الكتب، فبيع الكتب غير مسوح به، إلا في اليوم الأخير، وبشرط أن تباع الكتب بسعر المكتبات نفسه، أي من دون أي تخفيض، ويرجع ذلك إلى قناعة بأن الكتاب له قيمة ثابتة، تضمن للمؤلف أن يحصل على حقه، ولدار النشر أن تحافظ على جودة عالية للكتاب، من حيث المراجعة والطباعة والإخراج الفني، وانطلاقاً من إيمان عميق بأن الغذاء الفكري لا يجوز أن يكون أقل قيمة من غذاء الجسد.

وهناك اختلاف آخر في معرض فرانكفورت، وهو أن الأيام الثلاثة الأولى مقتصرة على المتخصصين، ولذلك فإن سعر تذكر الدخول للشخص في اليوم الواحد يعادل 270 ريالاً تقريباً، وفي اليومين الأخيرين فقط يتاح للجمهور العادي أن يزور المعرض، ولذلك لا يجوز أن نقارن الأعداد الهائلة التي تزور معارض الكتاب في بلادنا من دون رسم دخول، وتستمر مدة المعرض عندنا عشرة أيام، بعدد زوار معرض فرانكفورت البالغ 280 ألف زائر في خمسة أيام فقط.

حفلة الافتتاح هي ملتقى المثقفين والسياسيين من مختلف دول العالم، وضيف الشرف هذا العام بالمعرض هي هولندا والجزء المتحدث بالهولندية في بلجيكا، ويظهر الاهتمام البالغ بهذا المعرض في افتتاح الملك الهولندي فيلهلم ألكسندر والملك البلجيكي فيليب.

جناح ضيف الشرف مقام على مساحة 2300 متر مربع، حرص فيه المصمم الهولندي أن يجسد الانفتاح والرحابة التي تميز بيئة هولندا وإقليم فلاندر، ويشمل مسرحاً وسينما وقاعات لعرض الكتب، وعروض للواقع الافتراضي، وصالة تحرير، تقوم بإعداد ونشر مجلة جديدة في كل يوم من أيام المعرض، وصدرت بهذه المناسبة ترجمة 300 كتاب هولندي، من مختلف العصور والأصناف الأدبية، ويقرأ الأدباء من أعمالهم في داخل أروقة معرض الكتاب، وفي أرجاء المدينة كلها.

وتقام على هامش معرض الكتاب 4 آلاف ندوة ومحاضرة وورشة عمل ودورة متخصصة، تجعل من هذا المعرض، حدثاً ثقافياً فريداً من نوعه، وهناك صالة متخصصة تقام فيها ندوات عن كل ما له علاقة بالتعليم، وإلى جانب دور النشر العملاقة على مستوى العالم في مجال الكتب التعليمية، فهناك ما يعرف باسم «صف المستقبل»، وتعرض فيه الشركات أحدث ما وصل إليه العلم من تقنيات التعليم، وتأتي صفوف مدرسية من المدارس المحيطة بفرانكفورت لتجربة هذه التقنيات.

أردت من كل هذه المعلومات أن أوضح أهمية هذا المعرض، لأنقل التساؤل الذي يتردد على ألسنة المسؤولين في معرض فرانكفورت عن سبب قرار المملكة بعدم المشاركة هذا العام، في هذا الحدث الأضخم عالمياً في مجال الكتاب، طبعاً لم أتبرع بالإجابة على هذا السؤال، لأني ببساطة لا أعرف المبررات الحقيقية، وحتى لا يساء فهمي، فإنني لست بصدد انتقاد هذا القرار، بل أؤيده إذا كان الهدف من ذلك هو إعادة النظر في آلية المشاركة السعودية، إذ تؤتي ثمارها وتحقق المرجو منها.

هذا مربط الفرس، لماذا تشارك الجهات الحكومية من وزارت وجامعات ومكتبات عامة، في معرض همه الأول هو بيع حقوق النشر، وبحث الصعوبات التي تواجهها صناعة الكتاب، وأوضاع الناشرين في العالم؟

لماذا نرسل موظفين من هذه الجهات، ليشرفوا على توزيع هذه الكتب مجاناً على زوار المعرض؟

كل هذه أهداف نبيلة، لكن مكانها ليس معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، لأجل كل ذلك سافرت إلى معرض فرانكفورت، لأرى وأتعلم وأستفيد، وأنقل ذلك لمن يرغب في المعرفة، ولكي أسهم بجهد شخصي، مهما كان محدوداً، ألا يغيب اسم بلادي عن هذا الحدث.