روزانا بومنصف

 هل يجب مهادنة رئاسة العماد ميشال عون للجمهورية أو معارضتها، أو بالاحرى الاستمرار في معارضتها؟

السؤال مبني على واقع أن العماد عون ينطلق على الأرجح بتصويت في مجلس النواب معبر عن وجود معارضة لا بأس بها، ليست مبنية على واقع ديموقراطي، بل على واقع أن عون راكم على مدى أعوام طويلة كمّا كبيرا من الخصومات قد يحتاج الى وقت طويل من أجل إزالة آثاره، وانتخابه رئيسا لا يبدد ذلك، بل يفترض أن يتيح له، من حيث المبدأ، أن يحظى بفترة سماح شأن اي رئيس او مسؤول كبير يتبوأ مركزا رسميا، فيُعطى الوقت ليظهر الخيط الأبيض من الأسود في النهج الذي سيعتمده، وما اذا كان صداميا او استيعابيا للآخرين. فحين أطل العماد عون من "بيت الوسط" الاسبوع الماضي بعد لقائه الرئيس سعد الحريري على أثر إعلان الاخير تأييد ترشيحه للرئاسة الاولى، تحدث عن المعارضة التي انطلقت فورا من كتلة "المستقبل" على رغم إعلان رئيسها موقفه، قائلا إن "من يعارض يعارض من معتقدات مسبقة". ثمة من اعتبر أن كلام عون ليس دقيقا كليا لأن عبارة معتقدات سابقة تعني أن أي شخص يمكن ان يحكم على الآخرين من دون معرفة وعلى نحو مسبق قبل أن يتعرف اليهم، وهي كلمة تعني ان هناك احكاما مسبقة في شأنه، في حين ان الاصح في توصيف العماد عون انها معارضة مبنية على تجارب سابقة. وقد لا يكون خافيا على الجنرال أن هناك هواجس ليس لدى السياسيين فحسب، بل لدى عدد كبير من اللبنانيين، من تجربة صدامية في الحكم او حتى خارجه على نحو يرسم علامات استفهام حول ما إذا كان رئيسا سيقدم أداء مختلفا عما عرفه اللبنانيون. وهذا يبقى رهنا بالاشهر الاولى من أجل تبديد هواجس اللبنانيين، المختلفة عن هواجس الخارج، علما أن اللبنانيين بدأوا منذ الآن إعطاء الجنرال عون فترة السماح المفترضة من خلال التأكيد أنه عيل صبر البلد ومواطنيه من الشغور في سدة الرئاسة الاولى، والذي انعكس سلبا الى حد كبير ليس على عمل المؤسسات الدستورية وحدها، بل على كل القطاعات، ولا سيما منها الاقتصادية والاجتماعية، بحيث بات التوق كبيرا الى رئيس للجمهورية يعيد للبلد انتعاش قطاعاته. ومع أن انتخاب العماد عون بالذات وحده ليس كافيا ليشكّل الاندفاعة الايجابية ما لم يكن معطوفا اولا على سلة سياسية وفاقية تحوط به من خلال موافقة غالبية الافرقاء السياسيين عليه، بل ان عودة الرئيس سعد الحريري الى رئاسة الحكومة تشكل ثقلا لا بأس به في هذه المعادلة من اجل الايحاء بالثقة للاوساط الاقتصادية والمالية، فإن ثمة حذرا كبيرا غير خاف على الارجح، أولا نتيجة تجربة سابقة غير مشجعة للعماد عون في السلطة وحتى خارجها في مقاربة العلاقات مع المكونات السياسية الاخرى، وثانيا في ضوء مخاوف من عودة الى أسلوب اميل لحود في المناكفة مع رئاسة مجلس الوزراء، قياسا على مواقف سابقة لزعيم التيار العوني.
ينبغي الإقرار بأمرين عشية انتخاب عون: الأول أن هناك حذرا وخوفا، ليس سياسيا فحسب بل شعبي ايضا من هذا الخيار، ربما باستثناء مناصري التيار ومؤيديه، وخصوصا ان صراعا مستمرا منذ سنتين ونصف سنة لا تزال معطياته في الاذهان، ولم يمر عليها الزمن بعد، والناس تشعر بأن الامر قسري في غالبية جوانبه، ويخشى من نتائج سلبية في ضوء تجارب رئاسية سابقة كان لها جوانب قسرية أيضا. الأمر الآخر هو إن المعارضين لوصول عون، ولو لاسباب جوهرية ومبدئية مبنية على رفضهم لما يمثله من خيار سياسي محلي وإقليمي على حد سواء، وما يعنيه ذلك من مخاوف على لبنان او على تجاربهم معه، قد يخسرون بداية في حال كانت معارضتهم جذرية منذ اليوم الاول ولا تمنح الجنرال عون بعد انتخابه فرصة بضعة أشهر على الاقل، في ظل حاجة اللبنانيين الى التنفس وتراجع حدة التشنج من أجل تأمين عودة الحياة الطبيعية بعض الشيء الى أعمالهم، في ظل تدهور غير مسبوق بات يعيشه اللبنانيون على وقع جملة اعتبارات محلية وغير محلية. فالامر المطلوب والملحّ هو أن يتم انتخاب رئيس والانتهاء من هذا الموضوع الذي أنهك اللبنانيين واستنزفهم. وهذا ما لا قدرة للمعارضين على الرد سلبا عليه، لئلا يتهموا بالرغبة في الابقاء على الشغور، على رغم أسبابهم المشروعة لرفض رئاسة عون. لكن قد يغدو مطلوبا وملحا بالمقدار نفسه، هو أن يشهر المعارضون معارضتهم في أول مناسبة يظهر فيه نهجا استفزازيا أو غير مريح، ولعلّ قاعدة المعارضة تتسع لأكثر من المعارضين المبدئيين لوصول عون راهنا، خصوصا في ظل اقتناع بأن الرجل سيسعى الى ألا يكون مهادنا أو وسطيا، لئلا يرمى بما اتهم سواه به.
يتغير الشيء الكثير بانتخاب عون رئيسا أو لا يتغير؟ هذا سيكون وقفا عليه في كيفية ادارة التعاون لحكم البلد، وهو التعبير الذي استخدمه على باب "بيت الوسط". وهل يبدد هواجس الخائفين والمعترضين أم يزيد منسوبها؟ البارز والمعروف حتى الآن أن هناك كمّا من الاصوات المعبرة في مجلس النواب ينوي أن تشكل رسالة قوية، ليس تعبيرا عن ديموقراطية التصويت مع أو ضد، بل عن عدم وجود شيك جماعي على بياض لرئاسة ترسم علامات استفهام وحذر كبيرة.