مهزلة الانتخابات الأمريكية

عبد العزيز المقالح

هي مهزلة بكل ما للكلمة من معنى، وهناك كثير من المتابعين لها في الوطن العربي وفي بقية أنحاء العالم يتساءلون عن مصداقية نتائج هذه الانتخابات التي باتت على الأبواب، وبعضهم لا يخفي سخريته مما وصلت إليه حال النظام الديمقراطي في بلد كانت انتخاباته نموذجية، ثم صارت مع تقادم الزمن والابتعاد عن مبادئ المؤسسين الأوائل عرضة للتشكيك وبلغت في المرحلة الراهنة حداً لا يكاد يُصدَّق، وصار عدد من قادة العالم الثالث البارعين في تزييف الانتخابات في بلدانهم سعداء بما يحدث هناك ويعتبرونه انعكاساً لما كانوا وما زالوا يمارسونه في هذا المجال منذ سنوات طويلة. 

ويبدو أن الحزب الجمهوري أساء اختيار مرشحه في هذه الدورة الانتخابية كما كان قد أساء الاختيار أيضاً، وقام بتزييف الانتخابات لإنجاح جورج بوش الابن. وكأن هذا الحزب العتيد ذا الخبرة الواسعة في العمل السياسي قد افتقد توازنه وقدرته على الاختيار الصحيح وصار يعاني حالة الاضطراب العام التي تشهدها بلاده على أكثر من صعيد.

ألم يكن الحزب الجمهوري على دراية تامة بسلوك مرشحه وعلى معرفة مسبقة بحالته النفسية والعقلية؟ وإلاّ كيف وافق بأغلبية على أن يقذف بهذا الشخص غير السوي إلى معركة تتخللها مواجهات ومناظرات فكرية وسياسية ويتم من خلالها سبر أخلاقيات أي مرشح وقراءة أفكاره وما تمثله من إدراك لأهداف الوطن ووعي بمتطلبات الغالبية من أبناء هذا الوطن، وكأن ما كان ينقص الدولة العظمى في وضعها الراهن، مرشح أو مرشحون يخوضون الانتخابات بأجندة شخصية تعتمد على كشف عورات بعضهم واستهدافهم بما يعد خارج نطاق الأجندة الانتخابية المعروفة سلفاً، وبدلاً من الاتجاه نحو المواقف الكبرى والقضايا العامة يتم الاتجاه إلى الأمور الصغيرة التي تمس شخص المرشح لا برنامجه الانتخابي وذلك يتنافى مع كونه مواطناً حائزاً على تزكيه حزبه ليشغل منصب الرئاسة سواء كان رجلاً أو امرأة طاعناً في السن أو في منتصف العمر مادام قادراً على الالتزام بالمواقف المحددة في الدستور والقوانين النافذة. 

لقد كان العالم الثالث منذ سنوات وإلى وقت قريب موضع سخرية من الغرب بجناحية الأوروبي والأمريكي، ولم تتخلف الصحافة الغربية يوماً واحداً عن وصف هذا العالم بالتخلف وسوء استخدام الآليات الديمقراطية، وصار من حق هذا العالم الآن أن يرد السخرية بمثلها بعد أن اقترب العالم الحديث و«المتقدم» و«الديمقراطي» من حافة الفوضى والتخلف في إدارة انتخاباته كما يحدث الآن في الولايات المتحدة. ومن المؤسف حقاً أن تنحدر الدول الديمقراطية إلى هذا المستوى غير اللائق وغير المتوقع، وأن تتحول المناظرة من السياسية في وطن الديمقراطية الأول إلى مهاترات وشتائم لم يشهد مثلها العالم الثالث أو عالم المتخلفين كما كان ولا يزال الغرب يقول. 

وأما من يتابع أقوال الصحف الأمريكية فسيجدها في حالة من الارتباك تجاه تغطية أخبار الانتخابات وقد يشعر بشيء من الخجل إزاء ما يجري فيها، وتكاد هذه الصحف في تعليقاتها تفضح التدهور الذي بدأ يلحق ببلاد العالم الحديث إذ لم يعد هناك فارق كبير بين أساليب المرشحين في الولايات المتحدة والمرشحين في دول العالم الثالث. 

وأكرر هنا ما سبق لي أن أشرت إليه في مقال سابق من أن مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إذا ما نجحت في الوصول إلى منصب الرئاسة فلن يكون ذلك لجدارتها بهذا المنصب بقدر ما يعود إلى موقفها الأخلاقي ولغتها النظيفة نسبياً، وإلى انشقاق جمهور الناخبين الذين ساءهم موقف المرشح الجمهوري منها وما ابتدعه من افتراءات وتشكيك في ذمتها وفي قدرتها على تحمل مسؤولية الرئاسة. كما أن رفض المرشح الجمهوري استكمال المناظرات دليل على الاستيلاء من جهة وعلى عجزه عن المواجهة من جهة ثانية. وهو دليل على فقدانه أبسط مقومات الوعي السياسي والحس الدبلوماسي، وما يتكون لدى الجمهور الناخب عن تلك المواقف من شعور بالسخط وعدم الرضا عن مرشح لا يلتزم ب «المواضعات» المتبعة في كل دورة انتخابية للرئاسة.