الكنبوري: ارتباط "العدالة والتنمية" بتنظيم الإخوان المسلمين حقيقة

الكنبوري: ارتباط

حاوره: نور الدين لشهب

أكد إدريس الكنبوري أن علاقة حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح هي حقيقة، واستدل على ذلك بمجموعة من القرائن والحجج التي تبين ارتباط حزب العدالة والتنمية بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، حسب رأيه.

وعن سبب عدم استقطاب "البيجيدي" للسلفيين الذين قاموا "بمراجعات"، اعتبر الكنبوري، في الجزء الثاني من حواره مع هسبريس، أن السبب يؤول إلى التخوف من دخول السلفيين إلى العدالة والتنمية؛ وذلك قد يدفع بهم إلى الواجهة على حساب أشخاص داخل الحزب، كما فعل هم مع حزب الخطيب، حيث حجبوا أشخاصا من قدماء الحزب.

كما أن السلفيين، يقول الكنبوري، "بدورهم يرون أن الحزب تنكر لهم في أيام المحنة، ولا يسعون إلى العمل من داخله".

إليكم الجزء الثاني من الحوار:

طيب، هناك اتهامات لحزب العدالة والتنمية بأن له روابط بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، كيف ترى الموضوع؟

التنظيم العالمي للإخوان المسلمين حقيقة موجودة، والإخوان المسلمون مثلهم مثل التنظيمات العالمية الأخرى كالماسونية لديهم تنظيمهم الدولي؛ لكن هذا التنظيم الدولي يسيطر عليه الإخوان المسلمون في مصر. وطيلة العقود الماضية، حصلت صراعات بداخل هذا التنظيم الدولي بين المصريين والسوريين؛ لأن المصريين يريدون أن تكون القيادة دائما بأيديهم، على اعتبار أسبقيتهم إلى تأسيس تنظيمهم، وعلى اعتبار أن مختلف المنظرين للتيار هم مصريون. وفي بداية التسعينيات، حاول الدكتور حسن الترابي، الذي كان آنذاك زعيم الحركة الإسلامية السودانية، أخذ المشعل من أيدي المصريين؛ فبادر إلى عقد مؤتمر في الخرطوم، جمع مختلف الحركات الإسلامية الإصلاحية والثورية من أكثر من أربعين بلدا، منها المغرب، لتأسيس المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي، لكن المؤتمر فشل في ما بعد أو ولد ميتا، خصوصا بعد أن استقبل الترابي أسامة بن لادن وسمح له بالإقامة في السودان عام 1996.

أما عن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية وبين حركة التوحيد والإصلاح بهذا التنظيم العالمي، فهذه حقيقة. والدليل على ذلك الارتباط هو أنه في جميع المؤتمرات التي يعقدها الحزب أو الحركة تتم دعوة أشخاص من الإخوان المسلمين المصريين والحركات الإسلامية الأخرى، والأمر نفسه بالنسبة إلى مؤتمرات هذه الحركات. والفلسفة الكامنة وراء هذا الحضور هي الوقوف على سير الأمور في أفق وضع تقارير حول الوضعية العامة للحركات الإسلامية في مختلف الأقطار، وتبادل الخبرات والمصالح، وتنسيق المواقف في ما يجب أن يتم فيه التنسيق، وطبعا مع ترك هامش لكل تنظيم محلي للاشتغال وفقا للقوانين المحلية وأوضاع البلد. إن التنظيم العالمي للإخوان المسلمين هو في الحقيقة حلم جميع الإسلاميين، وكثيرون كتبوا في هذه المسألة تحت عنوان "نحو حركة إسلامية عالمية"، كما فعل فتحي يكن؛ فمن منطلق أن الإسلام دين عالمي ينظرون إلى التنظيم الحركي من هذه الزاوية. إنه الأمر نفسه الذي كانت تفعله الأممية الاشتراكية في الماضي، مع فارق وهو أن الأممية الاشتراكية كان لديها ما يسمى عند القوميين العرب "الإقليم القاعدة"، وكان هذا الإقليم هو الاتحاد السوفياتي، بينما هذا الأمر لا يوجد لدى الإسلاميين. وكانت إيران، في الثمانينيات، قد حاولت أن تلعب هذا الدور؛ لكن الصراع السني ـ الشيعي حال دون ذلك. ثم حاول الترابي، كما قلت، أن يجعل السودان إقليما قاعدة، على اعتبار أنه أول بلد في تلك الفترة تصل فيه الحركة الإسلامية إلى الحكم.

لماذا في رأيك فشل حزب العدالة والتنمية في استقطاب سلفيين جهاديين تائبين؟

هناك خصومة قديمة بين التيار الإخواني والتيار السلفي. هذه الخصومة أساسها الخلاف الذي حصل في الماضي بين التيار الوهابي في السعودية وبين التيار الإخواني، خصوصا في مصر؛ وهو خلاف سياسي وعقدي في الوقت نفسه. وبالرغم من محاولات التقريب التي قام بها بعض الإخوان السابقين الذين هاجروا إلى الخليج في الخمسينيات والستينيات فرارا من ديكتاتورية جمال عبد الناصر، فإن الذي حصل هو أن النزعة الإخوانية دخلت في المكون السلفي التقليدي، بدل أن تؤثر النزعة السلفية على التيار الإخواني، وهو ما رأيناه مع تجربة تنظيم القاعدة. ولذلك، فإن السلفيين في المغرب ظل لهم الموقف نفسه من التيار الإخواني، ومنهم حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية، فهم يرون أن هذين التنظيمين لديهما انحرافات عقدية.

وبعد تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، صوّت حزب العدالة والتنمية على قانون الإرهاب في البرلمان. وكان هناك محامون من الحزب كمصطفى الرميد ينوبون عن معتقلين سلفيين أمام المحاكم؛ لكن من الناحية السياسية ظل الحزب يلتزم الصمت في ما يتعلق بمعاناة السلفيين في السجون وعائلاتهم في الخارج، إلى أن قال الملك محمد السادس في حواره مع يومية "إيل باييس" الإسبانية عام 2005 إن تدبير ملف 16 ماي قانونيا قد شابته خروقات، فبدأ الحزب من هذا المنطلق يوظف الورقة السلفية سياسيا لفائدته. وذهب عبد الإله بنكيران أبعد حين طالب بالتحقيق في تفجيرات 16 ماي، وهو مطلب آنذاك كان يتجاوب مع مطالب بعض المعتقلين الذين طالبوا بالتحقيق وإعادة المحاكمة؛ لكن بعد وصول الحزب إلى الحكومة طوى الملف طيا نهائيا ولم يعد يتحدث عنه، وإن كان قد حاول أن يوظفه سياسيا بطريقة مختلفة عبر ذراعه الحقوقية ممثلا في منتدى الكرامة، لكن هذه المحاولة فشلت ربما لأن الدولة أدركت أن الحزب يحاول استغلال ورقة السلفيين.

وبالرغم من أن السلفيين الذين خرجوا من السجن أعلن بعضهم أنه قام بمراجعات وغيّر مواقفه، بحيث صارت أقرب إلى مواقف الإسلاميين بل أكثر اعتدالا؛ فإنه لم يكن من الممكن أن يفتح الحزب أبوابه لهؤلاء. فهناك تخوف من أن دخول السلفيين إلى العدالة والتنمية قد يدفع بهم إلى الواجهة على حساب أشخاص داخل الحزب، وهم لديهم تجربة مع حزب عبد الكريم الخطيب حين دخلوا إليه في نهاية التسعينيات وحجبوا أشخاصا من قدماء الحزب، ولا يريدون تكرار التجربة. كما أن السلفيين بدورهم يرون أن الحزب تنكر لهم في أيام المحنة، ولا يسعون إلى العمل من داخله.

هؤلاء السلفيون الذين لم ينخرطوا في حزب العدالة والتنمية تفرقوا على أحزاب أخرى. ما دلالة توزيع السلفيين على الأحزاب السياسية؟

ينبغي القول بأن قيادة حزب العدالة والتنمية للحكومة قد أسهمت إسهاما واضحا في وضع الدين في قلب الحراك السياسي في المغرب، وفي تغيير مواقف الأحزاب السياسية من المسألة الدينية بشكل عام. والمفارقة الكبرى هي أنه حتى الأحزاب التي تنتقد حزب العدالة والتنمية وترفض توظيف الدين في السياسة فتحت أبوابها في وجه السلفيين. وهذا يعكس، في رأيي، الأزمة الإيديولوجية لهذه الأحزاب وتخبطها في ما يتعلق بقضية الهوية في المغرب. مشكلة هذه الأحزاب هي أنها غيبت، طيلة العقود الماضية، الدين من المعادلة السياسية بشكل عام؛ وهو الأمر الذي أسهم في ترك الفراغ أمام الإسلاميين. وبالرغم من تأكيد بعضها أنه ذو مرجعية إسلامية، فإن الواقع هو أن هذا الإعلان مجرد رد فعل على الإسلاميين أكثر من كونه تعبيرا عن وعي سياسي بالمسألة.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، بدأنا نلاحظ أن الاتحاد الاشتراكي مثلا يذكر بأن محمد بلعربي العلوي حضر أحد مؤتمرات الحزب في الستينيات، وأن حزب الاستقلال ذو مرجعية إسلامية لأن مؤسسه هو علال الفاسي؛ ولكن المشكلة أعمق من هذا التبسيط، المشكلة هي مشكلة مرجعية داخل هذه الأحزاب وليست مشكلة أشخاص. حزب الاستقلال اليوم بدون هوية، وعلال الفاسي كان تعبيرا عن مرحلة وانتهى أمره؛ لأن الفكر الذي وضعه لم يخضع للإنضاج والتطوير، وحصلت قطيعة بين الحزب وبين هذا الفكر بمجرد وفاته عام 1973. لذلك، أعتقد أن فتح بعض الأحزاب أبوابها للسلفيين يعكس الأزمة التي أصبحت توجد عليها هذه الأحزاب.