زهير فهد الحارثي

مجلس التعاون الخليجي نجح خلال مرحلة التأسيس في مواجهة التحديات فضلاً عن تجاوز آثار الحروب التي واجهتها دول المنطقة، وبقي ماثلاً رغم المصاعب.. ولذلك تفاءل الجميع بوجود ملف لمقترح الاتحاد الذي ظل معلقاً..

قبل أربع سنوات انعقدت قمة خليجية في المنامة، وقلنا حينها إن مجلس دول التعاون، بنظامه وهيكلته وآلياته آنذاك، لم يعد يلبي متطلبات المرحلة، والحل بطبيعة الحال يكمن في الانتقال للاتحاد الذي سبق أن اقترحه الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز فالصيغ والمسميات والأشكال لا تهم هنا بقدر توفر إرادة سياسية لتحقيق المراد الذي أصبح ضرورة إستراتيجية.

مجلس التعاون الخليجي نجح خلال مرحلة التأسيس في مواجهة التحديات فضلاً عن تجاوز آثار الحروب التي واجهتها دول المنطقة، وبقي ماثلا رغم المصاعب إلاّ أنه تبين وفي خضم ما يجري أنه بحاجة إلى تطوير، ولذلك تفاءل الجميع بوجود ملف لمقترح الاتحاد الذي ظل معلقا.

الآن هناك روح جديدة ومعطيات ومؤشرات تفتح باب الأمل وتتزامن مع القمة الخليجية القادمة التي ستنعقد في البحرين بعد أيام، فوزير الخارجية البحريني ووزير شؤون مجلس الشورى والنواب البحريني أكدا أن ملف الاتحاد الخليجي سيكون حاضراً في القمة التي تستضيفها بلادهما. التوجه الجديد والداعم لهكذا توجه نلمسه أيضا في تشكيل الهيئة العليا الاقتصادية والتنموية الخليجية برئاسة الأمير محمد بن سلمان التي من مهماتها رفع مستوى التعاون لنطاق أكثر فاعلية وإنتاجية.

المجلس ما زال متماسكا وينشط في أوقات الأزمات ونظلمه إذا لم نقل إنه أنجز وفق نظامه وصلاحياته العديد من الإنجازات نتيجة لتعاون وتوافق وتنسيق سياسي في ملفات عدة. ومع الإقرار بهذا التحول الإيجابي في مسيرة المجلس وأهميته إلا أن دقة المرحلة حتما تتطلب البحث عن صيغة جديدة قادرة على مواجهة التحديات والمخاطر.

المجلس معني، وفي ظل المتغيرات الراهنة، تلحظ أن مشكلات ومطالب وتطلعات الإنسان الخليجي متقاربة، ما يعني ضرورة استكمال جوانب الاستثمار في الإنسان. أضف الى ذلك أن المتغيرات الإقليمية أدت إلى اهتمام دول المجلس بالمنحى الأمني غير أن القضايا الداخلية الأخرى تتطلب لفتة جادة بذات القدر من الاهتمام. والأهم من هذا كله علينا أن نلتف بعضنا حول البعض كخليجيين ونفكر في مصالحنا أولا.

ملفات كثيرة أمام القمة القادمة منها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك ما يتعلق بمكافحة الإرهاب، فضلا عن الأزمة السورية والملف اليمني والأوضاع في الأراضي الفلسطينية والعراق. غير أن التدخلات الإيرانية ومشروعاتها التوسعية تبقى أول الأولويات التي يحرص القادة الخليجيون على مناقشتها لمخاطر تداعياتها.

وفي هذا السياق ونتيجة لما يجري في المنطقة يأتي ملف اتحاد الخليج كأهم القضايا المطروحة على جدول الأعمال. وزير شؤون مجلس الشورى والنواب البحريني في حديثه اللافت لصحيفة الحياة أكد أن "الاتحاد قد يتم من دون عُمان"، مشيرا إلى أن "موقف عُمان من الاتحاد معروف ويحترم، ولكن يجب ألا نقف عند هذا الحد، وقد يكون هناك اتحاد ويبقى مجلس التعاون موجوداً لمن يرغب" وأكد الوزير البحريني "أن الاتحاد الخليجي لو أقيم سيكون متقدماً كثيراً عن (مجلس التعاون)، وتابع: "بمعنى أن الدول التي ترغب في الانضمام للاتحاد بالخطوات السياسية والاقتصادية وغيرها ستكون في حال متقدمة من مرحلة التعاون، ومن يريد أن يكون في التعاون فليبق". يتضح من حديث الوزير أن المسألة ما زالت اختيارية وهناك مرونة في هذا الاتجاه بل إن هناك من يردد أن الاتحاد قد يبدأ بدولتين على أن تلتحق بهما الدول الأخرى لاحقا.

عُمان سبق أن رفضت فكرة الاتحاد الخليجي في الوقت الذي قال فيه الشيخ خليفة رئيس الوزراء البحريني، "إن الاتحاد الخليجي هو الهدف الذي لا مناص عنه، وهو ضرورة تفرضها المرحلة" نعلم أن هناك هيئة استشارية سبق أن درست المشروع واستندت كما يبدو على تجربة الاتحاد الأوروبي كنموذج يحتذى به كصيغة مشابهة له من خلال مقاربته لطبيعة دول الاعضاء.

ثمة تصورات مطروحة لما سيكون عليه شكل الاتحاد الذي سيرتكز على أربعة هياكل جديدة: سياسية، واقتصادية، وأمنية، وعسكرية وسبق لوسائل إعلامية أن أشارت لها.

التصور الأول يتمثل في الكونفدرالية والتي تعني دولا مستقلة ذات سيادة ولكنها "تفوض بموجب اتفاق مسبق بعض الصلاحيات لهيئة أو هيئات مشتركة لتنسيق سياساتها" كالدفاع والخارجية.

اما الثاني فهو يفتح الباب لمن يرغب من الدول الأعضاء في الدخول للاتحاد فورا. في حين يكون التصور الثالث هو "اتحاد السرعات المتفاوتة، أو ما يسمى بالتدرج الجزئي، والذي يعطي لكل دولة خليجية الدخول في الاتحاد" وفق النسبة التي تفضلها كل دولة حسب ظروفها وإمكاناتها تدريجيا حتى الوصول للاتحاد الكامل. من تابع تصريحات بعض المسؤولين الخليجيين يجد أنهم يفضلون ويميلون لحسم المواضيع العالقة قبل الولوج لمرحلة الاتحاد. سبب تعثر بعض القضايا يأتي من داخل المجلس الذي هو محصلة لإرادة الدول الأعضاء ما يعكس أهمية مشروع الاتحاد الذي يدفع باتجاه معالجة القضايا الحيوية التي تمس حياة شعوبه.

صفوة القول: ما يميز مرحلة الاتحاد إن تحققت فعلا أنها ستعجل بإنجاز تلك القضايا التي بقيت حبيسة الأدراج وتعثرت بسبب نظام وآلية عمل المجلس الحالية.