سمير عطا الله

كان الدنماركي كارستن نيبور أول غربي يجول في «أقاليم شبه الجزيرة العربية»، ويضع وصًفا علمًيا لها (دار الانتشار العربي) العام 1762. ترأس بعثة من خمسة مواطنين وألماني توفوا بالأمراض، وبقي هو يدّون ويرسم اكتشافاته وانطباعاته في ملحمة كررها من بعده غربيون كثيرون، وبقي له فضل الريادة والموضوعية لأنه لم تكن خلفه أي أغراض استعمارية أو سياسية. وقد أفردُت له حيًزا كبيًرا و«محًبا» في «قافلة الحبر»، دار العبيكان، لهذه الأسباب.

أعادت «دار الانتشار العربي» ترجمة نصوصه، وفيها وصف مذهل لما عرفته العرب بريح السموم، أو رياح الشمال. يقول إنها تهب من الصحراء الكبرى، وتصل إلى مكة من الشرق، وإلى بغداد من الغرب، وإلى البصرة من الشمال الغربي. وذكر أن العرب المعتادين الهواء النقي، يتمتعون بحاسة مرهفة تخولهم التعرف إلى السموم من رائحة الكبريت التي تنبعث منها. ومن علامات هذه الريح أيضا أن هواء المكان الذي تضربه يصبح أحمر اللون. ولأن الرياح السطحية تفقد قوتها كلما اقتربت من الأرض لاصطدامها بالتلال والصخور والغابات، يلجأ العرب إلى النوم على بطونهم عندما يرون السموم قادمة من بعيد، كما يقولون: إن الطبيعة
تعلم الحيوانات إخفاء رؤوسها عندما تشعر بها تقترب. 

«لقد فاجأت هذه الريح مرة أحد خدمي، وهو يتجه مع قافلة من البصرة إلى حلب، فصرخت العرب طالبة من الناس الانبطاح على الأرض، ولم يهلك أي من الذين اتبعوا هذه التعليمات. أما الآخرون الذين استخفوا بالريح، فهلكوا جميًعا ومن بينهم جّراح فرنسي أراد أن يعيش هذه التجربة، علما بأن سنوات طوالاً قد تمر من دون أن تهب ريح السموم هذه بين البصرة وحلب».

الحارة العادية، وأحياًنا، وبينما تخّيم حرارة شديدة على الأجواء، يهّب هواء أكثر حرارة على الناس «ووفًقا لكلام العرب فإن الناس يختنقون، وكذلك الحيوانات، بفعل هذه الريح، ولها عليهم نفس تأثير الريح والحيوانات الذين أضعفهم الحّر، فيموتون اختناًقا».

وتجدر الإشارة إلى أن الأشخاص الذين لا تظهر عليهم كثيًرا إمارات التعب، هم الأقل تعرًضا لخطورة هذه الريح من الآخرين. فمن قافلة كبيرة، لم يمت إلا أربعة أو خمسة أشخاص في الحال، بينما نازع آخرون لبضع ساعات قبل أن يموتوا، فيما استعاد الباقون عافيتهم بعد أن تناولوا مرطبات كانت العرب تحملها معها في أسفارها، ومنها الثوم والزبيب.