عبدالله بن بخيت

ما هو الموقف الأميركي من الأحداث الجارية في حلب؟ أستطيع أن أؤكد أن هذا السؤال ينطوي على سؤالين مختلفين مشتبكين في صيغة واحدة.. السؤال الأول: ما هو الموقف الأميركي كما هو على الأرض؟ السؤال الثاني: ما هو الموقف الأميركي من وجهة نظرنا؟ في كل مرة يطرح هذا السؤال نتجاهل السؤال الأول الواقعي ونجيب بشكل تلقائي على السؤال الثاني المتخيل.

تتملكنا آمال وأمنيات حول الحرب الدائرة في حلب، ولدينا مواقف مسبقة من أميركا.. هذان العاملان يشكلان مادة السؤال القائم في أخيلتنا.. ليس للواقع والحقائق على الأرض أي قيمة.. أميركا في نظرنا إما أن تنتصر أو تتآمر وتترك لخصومها النصر. ما يجري في حلب الآن أن أميركا (قررت) بملء إرادتها أن تترك النصر لروسيا والأسد، وفي أحسن الأحوال أميركا مترددة في اتخاذ القرار فاستفاد خصومها من هذا الضعف الذي يمكن أن يزول بتغيير الرئيس أو أن يغير الرئيس أسلوبه.. في كل الحالات أميركا في لا شعورنا لا تفشل.

أميركا تملك قنابل نووية وتملك أوسع مخابرات وأكبر اقتصاد وتملك ما هو أكثر من هذا.. لماذا إذن تضعف أمام روسيا في حلب وأمام إيران في العراق؟ إذا تركنا العراق إلى وقت آخر، وجمدنا قليلا نظرية المؤامرة سنرى أن أميركا فشلت في تكوين جيش على الأرض يحقق أهدافها، بينما روسيا امتلكت جيش الأسد الجاهز.. وجود أميركا في سورية مشروع صغير (بالنسبة لها)، وجود روسيا في سورية استراتيجي.. حلفاء أميركا المتفقون معها في الموقف من الأزمة السورية لا يرون إرسال جنودهم إلى سورية، بينما حلفاء روسيا والمتفقون معها في الأهداف أرسلوا جنودهم.. حاولت أميركا أن تصنع جيشا من السوريين وفشلت، وفوق هذا فشلت في انتزاع أي قرار يساندها من مجلس الأمن. هذا ما حدث لأميركا في سورية.. سمه أنت مؤامرة واسمح لي أن أسميه فشلا.

لكي تفكر أميركا في النصر في سورية يتوجب عليها أن تحول حربها فيها إلى حرب استراتيجية، أن تأتي بثقلها كما جاءت روسيا.. أهمية سورية بالنسبة لأميركا تصل إلى الصفر.. العنصر الوحيد الذي يمكن أن يدفع أميركا للدخول في الصراع السوري بجدية هو إسرائيل.. ثمة تنسيق بين الروس والإسرائيليين يجعل المسألة السورية خارج القلق الأميركي.

بعد الحرب العالمية الثانية لم تنتصر أميركا في أي من (حروبها!).. مع ملاحظة أني أقول أن أميركا لم تنتصر ولا أقول أنها هزمت.. يتوجب علينا أن نعيد تعريف كلمة هزيمة عندما يكون الحديث عن الدول الكبرى.. تعريف الهزيمة في أذهاننا هو الإخضاع أو الاستسلام، بينما تعريف الهزيمة عند القوى الكبرى هو الفشل.

حروب الدول الكبرى خارج أرضها حروب ترتيبات وحروب مصالح.. الخاسر الحقيقي فيها هي الدول التي تدور على رحاها تلك الحروب.. لا تشكل هذه الحروب بالنسبة للدول الكبرى سوى مشروعات قد تنجح وقد تفشل.. قررت أميركا إسقاط الشيوعية في فيتنام وفشلت، قررت أميركا إسقاط نظام كاسترو الشيوعي وفشلت، قررت أميركا بناء نظام في العراق يكون نموذجا تبني عليه الأنظمة الأخرى في الشرق الأوسط وفشلت، تلك مجرد مشروعات لم تنجح كمثل أن تساهم الحكومة السعودية في إقامة مشروع زراعي كبير في كمبوديا ويفشل.. هذا ما حدث لأميركا في سورية.. إذا أردنا أن نذهب إلى العصر الحديث علينا أن ننزع من لا شعورنا الأوهام التي نخبئ وراءها طائفيتنا وارتهاننا لمنطق الماضي وخيباتنا