راجح الخوري

 تشكل تغريدة النائب وليد جنبلاط في «تويتر» قبل يومين، أفضل تعليق على العراقيل التي تواجه تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، فقد كتب أن «الحكومة الافتراضية لا تزال في الحجر الصحي». صحيح، لكن الصورة الافتراضية يمكن أن تنسحب على الوضع اللبناني عمومًا، عندما نتذكر أن بيروت تشهد في هذه الأيام ازدحامًا سياسيًا ودبلوماسيًا، عبر زيارات مسؤولين يتقاطرون للتهنئة بانتخاب الرئيس ميشال عون بعد فراغ عصف بالبلاد أكثر من عامين ونصف العام، في حين يطلق البعض عدادًا لتسجيل مدة «الفراغ» التي قد تتطلبها عملية تشكيل الحكومة الجديدة!
هل هذه هي عملية «الجهاد الأكبر» التي تحدث عنها الرئيس نبيه بري عشية انتخاب عون؟ وهل أن العالم الخارجي يبدي حرصًا على انتظام بيت السلطة في الدولة اللبنانية المدمرة أكثر من السياسيين اللبنانيين؟
واضح بعد أكثر من 35 يومًا على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة الجديدة أنها بداية هذا «الجهاد»، لكن الأمور لا تُقيّد على خانة الحريري بمقدار ما تحسب على خانة العهد الجديد، الذي يفترض في رأي اللبنانيين والعالم الخارجي أن يقلّع سريعًا لإعادة ترميم الدولة المدمرة تقريبًا، لكن ما هو أبعد وأعمق يبرز من خلال طرح السؤال مباشرة:
هل هناك رغبة حقيقية عند الذين هندسوا الفراغ الرئاسي عامين ونصف العام في أن تعود الدولة القوية التي دأب عون على الحديث عنها؟ وهل يمكن فعلاً أن يتسع إناء الدولة العائدة لحجم «حزب الله» التي يقاتل في سوريا وأبعد من سوريا، رغم أنه هو الذي جاء بعون رئيسًا عندما تمسك به كل هذا الوقت؟
الجواب لا يحتاج إلى تمحيص، يكفي أن نتذكر كيف تم تعطيل النصاب البرلماني على حساب الدستور، لكي نعرف أن ما يصفه جنبلاط بالحكومة الافتراضية، إنما هو نموذج واضح عن الرغبة في بقاء لبنان في فراغ الدولة الافتراضية!
ليس في هذا أي مغالاة، فعندما شكل الرئيس تمام سلام حكومته، قال إنها تأتي لمهمة واحدة ومحددة، أي انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم تستقيل، لكنها منذ عامين ونصف العام، وحتى كتابة هذه السطور، تستمر حكومة تصريف أعمال، ويا لمرارة السخرية، إن التذكير بهذا ضروري لسبب يتصل بحسابات القوى السياسية في بيروت، على خلفية التحسّب خوفًا من أن تؤدي الخلافات في سياق «الجهاد الأكبر» إلى تكرار تجربة حكومة سلام التي جاءت لمهمة محددة وبقيت كل هذا الوقت.
ذلك أن الحكومة العتيدة التي يفترض أن يشكلها الحريري، هي الحكومة التي ستُجري الانتخابات النيابية في مايو (أيار) المقبل، ولكن الخوف من أي يؤدي الخلاف الأبدي على قانون الانتخابات الجديد، إلى أن تبقى هذه الحكومة إلى ما قدر الله، وسّع هامش الخلافات على الحصص والمقاعد الوزارية، والدليل أن الحديث عن تأجيل فني لهذه الانتخابات وُضع في التداول، على خلفية الإعلان المحق لوزير الداخلية، نهاد المشنوق، أن عدم التوصل إلى اتفاق على قانون جديد يجعل من المستحيل إجراء الانتخابات، إلا على أساس قانون الستين الذي يرجمه الجميع ويتمناه الجميع، من منطلق أنه يؤمن سلفًا المقاعد النيابية التي تريدها القوى السياسية الكبيرة.
من الواضح أن الرئيس عون يريد لعهده أن ينطلق بزخم وقوة، ومن الواضح أيضًا أن الرئيس الحريري العائد إلى السرايا يريد تشكيل حكومة تمضي في هذا الزخم مع العهد الجديد، لكن ما لم يكن واضحًا أن الرغبة في تشكيل حكومة وحدة وطنية عشية الانتخابات وحساباتها المتناقضة، والرغبة الأخرى الأخطر، صانعة فراغ الرئاسة وفراغ الدولة، والخلافات الجذرية بين القوى السياسية، ستجعل من عملية تشكيل هذه الحكومة أشبه بالبحث عن إبرة في كومة من إشراطات الحصص والحقائب.
ليس من بلد في العالم يغرق تقريبًا في النفايات منذ عام وأكثر، يمكن أن يغرق أيضًا في خلافات حول الوزارات، هذه سيادية بنت عائلة وتلك هامشية بنت جارية، نعم ليس لبلد عاجز عن معالجة نفاياته أن يتحدث عن السيادة.
في أي حال، يجب أن يكون واضحًا عند المستوى السياسي العام في لبنان، أن التوصل إلى انتخاب الرئيس عون المدعوم من 8 آذار والتيار الذي يقف وراءه، وعودة الحريري المدعوم من 14 آذار والتيار الذي يقف وراءه إلى السرايا، إنما هذا يشكل الفرصة الأخيرة لانتشال لبنان من أزمته المستفحلة ليبقى هذا النظام المهدد بالتغيير.. بالتغيير مفهوم؟