سمير عطا الله

 عاد الكاتب البرازيلي، البرتغالي الأصل، خوسيه ساراماغو (نوبل 1998) إلى البلد الأم عن طريق إسبانيا، في سيارته. عندما وصل إلى الحدود، توقف ليعبئ سيارته بالوقود، فلاحظ أن مقدمتها في البرتغال وخزانها في إسبانيا. وأن النهر الفاصل بين بلدي شبه الجزيرة الإيبيرية، يسمى هنا «دورو» وهناك «دويرو» لشدة التشابه بين اللغتين. كما يرى أن المياه تتدفق من منحدرات صخرية متقاربة، ثم تصب جميعها في النهر الحدودي ذي الاسمين.
ماذا سيفعل الكاتب أمام هذا المشهد؟ تخيل نفسك في مكانه، ماذا ستفعل؟ حاولت أنا ذلك. لكن حامل نوبل ظل بطل المفاجأة وسيد اللعبة الأدبية. وقف على ضفة النهر يخاطب الأسماك: «تجمعوا. تجمعوا أيتها الأسماك، أولئك الذين إلى اليمين في نهر دويرو، والذين إلى الشمال في نهر دورو، اقتربوا مني وأخبروني أي لغة تتحدثون عندما تعبرون الحدود المائية في الأسفل، وهل تُظهرون جوازات السفر والتأشيرات كلما عبرتم؟ ها أنا أتأملكم من فوق هذا الحاجز وأنتم تتأملونني. هنيئًا لكم تلك الأخوة أيتها الأسماك، من ضفة إلى ضفة، تتقاتلون فقط لسبب الجوع، وليس لنزاع وطني. وداعًا أيتها الأسماك. وأتمنى أن تعرفوا طريقكم بعيدًا عن الصيادين. تمتعوا بالسباحة وتمنوا لي رحلة آمنة. وداعًا. وداعًا».
هذه الانفصالات، أو الانقسامات، تلاحظها من خلال اللغة عبر الحدود وداخلها. الشارع الواحد له اسمان في إسبانيا، واحد بالكتالونية، وواحد بالإسبانية. أيضًا، شيء مثل دورو ودويرو. في مقاطعة كيبك، الطريق له اسمان، إنجليزي وفرنسي، دورو ودويرو. في مقاطعة ويلز، البحيرة لها اسم بلغة سلتية لم يعد لها وجود، وبالإنجليزية، لغة العالم حتى في الهند وفي مطارات الصين. وكذلك في اسكوتلندا. وفي بلجيكا، بلاد الانفصال العجيب.
وفي بلدان كثيرة، الأنهر هي التي ترسم الحدود الداخلية والخارجية. وفي أوتاوا تعبر النهر من القطاع الفرنسي عبر الجسر، فتصبح في بلاد الإنجليز كأنك تعبر القنال تحت المانش، عندما تنتقل من باريس إلى لندن. لكن هنا لست أمام لغة واحدة، بل أمام وابل من اللغات جعلت البريطانيين يطلبون الخروج من أوروبا من أجل العودة إلى عزلة أهل الجزر. لكن بعد ماذا؟ محرك السيارة في بلد، وخزانها في آخر. دورو ودويرو.