علي سعد الموسى

أنا لا أدخل إلى الباب الشائك الممنوع إذا ما قلت إن أهم منابرنا في خطبة الجمعة بحاجة إلى ثورة أفكار تعيد لمثل هذه الخطبة وهجها وتضمن لها دائرة قبول وانتشار. وأنا لا أكتب اليوم من نافذة اجتهاد فردي شخصي، بل من بوابة ما قرأته في بعض أمهات كتب التراث الإسلامي عن أهداف ومقاصد خطبة الجمعة. هذه الخطبة العظيمة جاءت في الأصل لمعالجة قضايا المجتمع الآنية والوقتية، وأحياناً ما يطرأ في حياته الأسبوعية من القضايا المختلفة، وهي بلا شك قضايا اجتماعية وثقافية واقتصادية وأمنية وتربوية وتعليمية، إلى آخر السلسلة من هذه القضايا التي تربك مجرى نهر حياتنا الطبيعي. كل قضية في هذه السلسلة الطويلة لا ينبئك فيها مثل خبير متخصص، بينما لا زلنا داخل شرطنا التقليدي لمواصفات خطيب الجمعة، وعلى رأسها السيمياء والشكل. خطبة الجمعة فيما قرأت أقرب ما تكون إلى البيان المجتمعي لأحواله منها إلى أن تكون مجرد موعظة دينية خالصة، وهنا لا مساحة تكفي لنقاش هذه الحقيقة التاريخية التي كتبها أعلام من بعض علماء الأمة. نحن نتحدث مثلاً عن داء المخدرات الذي فتك بشريحة من شبابنا، وفي خطب الجمعة على طريقة الحلال والحرام في وعظ بدهي، فما الذي يمنع استغلال هذا الحضور الكثيف بحضور ضابط أمن أو طبيب علاج للإدمان لشرح المخارج من هذه الدائرة الموحشة. نتحدث عن سلوك أبنائنا في المدارس فما الذي يمنع إحضار معلم من الحقل والميدان ليضعنا في دائرة ما يفعله أولادنا بالضبط من السلوكيات الخاطئة التي لا يظهرونها أمام الوالدين. نتحدث عن اعتناق الإرهاب والفكر الضال في هذه الخطب، فما الذي يمنع إحضار تائب عائد إلى الصواب ليشرح تجربته العملية التي قادته لهذا الجنح أمام مئات الشباب الذين يندر حضورهم إلى درس غير خطبة الجمعة. نتحدث عن الفرق الهلامي في الخيط ما بين ضرورات التحديث وخطر الحداثة، فما هو المحظور كي لا يرتقي أستاذ هذا الخيط الأشهر في شخص الدكتور عبدالله الغذامي منبر مسجد في عنيزة؟ ما الذي يقف عائقاً أمام مسجد "بريدي" مقابل كي لا يخطب فيه إبراهيم البليهي عن هياكل التخلف التي وضعت هذه الأمة الرائدة ذات زمن أن تكون اليوم عالة على الأمم. إحدى أشهر خطب الجمعة التي لا زلنا نتداولها بكثافة هي تلك "اليتيمة" التي ألقاها مروج مخدرات تاب إلى الله ثم قرر أن يدك حصون المهربين بلسانه وعبر تجربته، وهو اليوم يختال فرحة بالمئات الذين عادوا من بؤر الإدمان على يديه. وحين سألته إحدى القنوات الشهيرة: لماذا لا تكرر هذه الخطبة التاريخية في أماكن أخرى؟ جاء الجواب: لم يدعني أحد. وكل هذه الأفكار لا تتعارض مع نص شرعي، ولا تدخل حتى في باب الاشتباه، وقد كتبت العنوان بعاليه كي لا يقل أحد بدعوتي إلى ليبرالي يخطب فينا الجمعة ثم يمتنع بعد العنوان عن قراءة النص. كلنا ولله الحمد مسلمون وبيننا من وجوه الاختصاص المختلفة من يستطيع أن يتصدى لتحليل أمراضنا الاجتماعية، بما يكفل أن نخرج من هذه الخطبة العظيمة بأفضل الدروس بإحسان الظن في الكل. قد يقول أحدكم، ولماذا لا تكون هذه الأفكار في مكان غير خطبة الجمعة؟ والجواب: الفكرة في قلب مقاصد هذه الخطبة وأيضاً في الاستفادة من حضورها الواسع عبر الشرائح التي لا تأتي إلا إليها.