نديم قطيش

لم تكن صدفة أن تفتتح صحيفة «السفير»، المقربة من «حزب الله»، معركة رئاسة الجمهورية المقبلة، أي ما بعد رئاسة ميشال عون، في حين أن الرئيس المنتخب حديًثا لم يشكل أولى حكومات عهده بعد!

في سياق الاشتباك بين عون من جهة ورئيس مجلس النواب نبيه بري والوزير سليمان فرنجية من جهة ثانية، وضمًنا الخشية من توسع الاشتباك ليطال كل المنظومة التي يقودها «حزب الله»، بما فيها «حزب الله» نفسه، جاءت الطلقات التحذيرية من «السفير»!

طلقة أولى حذرت أن ثمة من يحاول «سرقة عون» من محور المقاومة. طلقة ثانية لامت الجنرال عون على قلة وفائه، من بوابة مهاجمة صهره، وتذكير الصهر، الوزير جبران باسيل، بأن التحالف المسيحي مع القوات يعطيه مقعًدا نيابًيا في البترون، أما وفاؤه لمحور إيران فقد يجيء به رئيًسا للجمهورية!

لم يعرف لبنان مثل هذا الافتتاح المبكر لمعركة رئاسية بالتزامن مع إقلاع عهد جديد، بل قبل إقلاع العهد وقبل انتخاب الرئيس عون.

في سياق السجالات السياسية قبل انتخاب عون، تصدر الرئيس بري رفض انتخاب الجنرال رئيًسا، وكان بين الحجج التي قدمها خارج الإعلام، أن انتخاب عون سيكرس عرًفا مكلًفا على الثنائي الشيعي، وهو أن المسيحي الأقوى سيكون الرئيس الُحكمي للجمهورية. وقد حذر بري «حزب الله» بكل ما أوتي من حجج من أن المغامرة بتكريس هذا العرف والزهو بأن الأقوى اليوم هو في صف محور المقاومة، قد يأتي بالأقوى من خارج كنف المحور، (اقرأ سمير جعجع) وأن هكذا مغامرة تعرض للخطر المرتكزات الشيعية السياسية داخل النظام، القائمة منذ اتفاق الطائف على الاستعانة بدمشق لتهميش المسيحيين وإضعافهم ومحاصرة الحيوية السياسية للسنة وصولاً إلى اغتيال رفيق الحريري حين قرر كسر الحصار!

من هنا إصرار الرئيس بري على أمرين: أولاً حماية سليمان فرنجية ومنع إلغائه من قبل الثنائي المسيحي عون - جعجع، وثانًيا محاصرة رئاسة عون قدر المستطاع بما يحول دون استغلالها لإنتاج احتمال رئاسي في شخص جبران باسيل، خلاًفا لحسابات «حزب الله» الذي يعتقد أن تهيئة باسيل ممكنة وموثوقة!

يبدو للظاهر أن هذه حسابات مشروعة في سياق الصراع السياسي في لبنان، لكنها في العمق عملية تأسيس لحرب أهلية، كانُ نسب التحذير منها إلى الرئيس بري ثم جرى نفي هذا التصريح.

في الواقع استعيد الكثير من عناوين الحرب الأهلية أو ما يحف بها في الأسابيع الماضية، وقد أشرت إليها في مقال سابق؛ من ذلك إعلان الرئيس بري مراًرا أن العودة إلى ما قبل الطائف وزمن صلاحيات الرئاسة المارونية الموسعة مرفوض، بل وأن المغامرة بتطبيق اتفاق الطائف خارج أعراف الوصاية السورية ممنوع أيًضا. نحن هنا أمام تحريك خطوط اشتباك كلفت لبنان حرًبا أهلية وسلًما مبتوًرا انتهى بجريمة اغتيال رفيق الحريري في 14 فبراير (شباط) 2005.

الأخطر حتى الآن هو ما يكمن خلف رفض الثنائي الشيعي حصول القوات اللبنانية على حقيبة سيادية (خارجية، داخلية، دفاع، مال) أو الحصول على حقائب لها تفرعات أمنية مثل حقيبة الاتصالات. الأمر هنا يتجاوز صراع الإرادات والرغبات المعلنة والمضمرة بتحجيم القوات، ليطال التشكيك في وطنية هذا الفريق المسيحي باعتباره غير مؤتمن على أي مفصل من مفاصل الخيارات السيادية للدولة.

ببساطة ومن دون لف ودوران، الاتهام ولو تلميًحا لـ «القوات» بأنها «إسرائيلية» هو الافتراض المقيم في ثنايا خطاب الثنائي الشيعي، الذي لم يزل ينهل من خطاب الحرب الأهلية اللبنانية ومعادلاتها.

طوى السنة مع المسيحيين الموارنة ملف إسرائيل المزعوم بعد اغتيال الحريري، لكن لا يبدو أن بعض الشيعة طووه أو أنهم بصدد طيه. فهكذا ملف لا يطوى بعودة سمير جعجع إلى خيارات لبنانية وعربية، وهو فعلها منذ تسلم المجلس الحربي عام 1986. بل يطوى بمدى التحاقه الكامل، أو الأقصى، بخيارات محور إيران (سوريا الأسد سابًقا)، كما حصل مع إيلي حبيقة مثلاً، أو كما تم استتباع عون لفترة، قد لا يكون مضموًنا استمرارها!

إنها معادلة «الأسد أو نحرق البلد» معدلة لبنانًيا، بمعنى العيش تحت وصاية ورثة الأسد في لبنان وبشروطهم وبخياراتهم. آخر الرسائل في هذا السياق الاستقبال المشين لمفتي الجريمة المنظمة السوري بدر الدين حسون في قصر بعبدا الرئاسي، في ظل مقاطعة دار الإفتاء السنية والقوى السياسية السنية له! الرسالة واضحة. على السني اللبناني أن يكون بدر الدين حسون كي لا يلحق برفيق الحريري أو المهجرين السنة من الموصل في العراق إلى حلب في سوريا. وعلى المسيحي اللبناني أن يخضع أو يكون إسرائيلًيا لا نصيب له في الشراكة إلا ما يقرره من يمنح الآخرين شهادات في الوطنية. وعلى الجميع أن يقروا أن صوت فيروز «رجس من عمل الشيطان، فاجتنبوه».

إعادة تأسيس شروط الحرب الأهلية في لبنان نشطة. هنيًئا.