جبريل العبيدي

تكرار هجوم الميليشيات الإرهابية على الحقول والموانئ النفطية في الهلال النفطي الليبي، هو بمثابة محاولات انتحار متكررة لهذه الميليشيات وغباء عسكري واستراتيجي عند قادتها، إذ تتحرك هذه الميليشيات في مساحات مفتوحة ومكشوفة وعارية مئات الكيلومترات من مدينة الجفرة في الجنوب الليبي حيث مأواها إلى مدن بن جواد والسدرة وراس لانوف والبريقة في الشمال، وذلك في ظل صمت دولي إزاء تصنيف هذه الميليشيات ضمن الجماعات الإرهابية التي تتبنى فكر «القاعدة» وُتمّول محلًيا وخارجًيا، وتتخذ من المفتي المعزول قائًدا لها، في استنساخ لظاهرة «حزب الله»، وأمينه العام حسن نصر الله، وارتباطها بكولونيل تمت تسميته وزيًرا للدفاع في حكومة «الوفاق»، في ظل حديث عن لقاء جمعه قبيل الهجوم مع السفير البريطاني بيتر ميلت طرح العديد من التكهنات، خصوًصا مع قرب انهيار اتفاق الصخيرات، ووصوله إلى حالة انسداد سياسي، ونهاية لمدته المنصوص عليها في 17 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، من دون أن يتمكن مجلس السراج من الخروج قيد أنملة من قاعدة بوستة، التي جاء إليها بحًرا على ظهر فرقاطة إيطالية.

ليبيا ليست بئر بترول، بل هي وطن نعيش فيه ونسكنه وننتمي إليه وندافع عنه ونموت وُندفن فيه، ويربطنا به تاريخ ودم وقربى، وحين أعلنها الأجداد «ليبيا دولة مستقلة» كانت لم تعرف البترول بعد، فالحديث عن الوطن والنظر إليه على أنه مجرد برميل نفط يجذب الميليشيات من حين لآخر لاحتلال آباره.

النفط هو الثروة الوطنية، وتكاد تكون الوحيدة لجميع الليبيين، والحديث عن بيع النفط والتصرف فيه دون رقيب أو أي مقاييس، كما تقتضي معايير النزاهة والشفافية، يعتبر خرًقا واضًحا وتبديًدا وإهداًرا للثروة الوطنية، وقد يتسبب في احتقان شعبي ربما يسير في اتجاهات تهدد السلم الاجتماعي، في حين كان المفترض على الدولة أن تمارس الشفافية، أي الوضوح والانفتاح والإنصاف والمحاسبة في التعامل مع هذه الثروة الوطنية، لا أن يباع النفط في غياب واضح لأي معايير وضوابط ومحددات، مما يجعل الشك والريبة موضع افتراض وتخمين البعض، بل وأحياًنا موضع اتهام قدُيستغّل لتهديد السلم الاجتماعي بشكل أو بآخر.

في زمن العقيد القذافي كانت السفن تبحر بملايين البراميل في أعالي البحار لتدر ذهًبا في جيوب تابعة لـ«أبي النيران» (خفير البترول في زمن الطاغية) ليصبها دولاًرا وذهًبا في حسابات العقيد ليصرفها فيما بعد على هوسه وجنونه بمجد زائف ليرمي بها بين عصابات المافيا وجنرالات الورق، الذين صنعهم وجعلهم قادة ومسؤولين في بعض دول أفريقيا، ومنظمات إرهابية أنشأها في أوروبا وشتى بقاع العالم؛ من كارلوس إلى منظمة «إيتا»، مروًرا بالجيش الجمهوري الآيرلندي و«جيش الرب» ومرتزقته، ومن قبله كوكني ودي وعيدي أمين وهيلا سلاسي وغيرهم كثيرون، فنحن لم ننس يوًما دور شركة «أوكسيدنتال» النفطية، وأرماند هامر، والسفير الأميركي لدى ليبيا أثناء انقلاب الأحذية السوداء (انقلاب سبتمبر/ أيلول 1969).

الوطن أرض وتاريخ وانتماء، وجميعنا شركاء فيه وفي ثرواته دون إقصاء أو تخوين لأي طرف، ومن غير المقبول اتهام أصحاب الرأي والرؤية المختلفة بأنهم «مجرد خردة بشرية» كما يتردد من البعض؛ فهذه ليست لغة للحوار وثقافة الاختلاف، بل هي بداية للخلاف والصراع وتأجيجه، فنحن نربأ بأنفسنا عن سِّب أو تخوين أحد.

نحن لا نرغب في تكرار المشهد ومخادعة الشعب بجماعات أخرى تستنزف النفط الليبي، ولهذا نطالب الحكومة بمزيد من الشفافية والتصرف بمسؤولية في تعاملاتها مع ثروة الشعب، فلا نرغب أن نمشي كالنعام في مونودراما الوطن ليصفق البعضفي نهاية المشهد ضمن جوقة الكومبارس.