&ميشال أبو نجم

لم يأت الأمس في جنيف بجديد في ما يخص الأزمة السورية رغم كثافة الاتصالات على أكثر من صعيد. خلاصة اليوم الأول الذي أعقب وصول وفد هيئة المفاوضات العليا إلى المدينة السويسرية، تظهير فداحة الشرخ الذي يفصل بين مواقف المعارضة والنظام وتمسك كل طرف بمطالبه ورؤيته، مما لا ينبئ بوجود كوة في جدار الأزمة السورية. وفيما وفد المعارضة ووفد النظام أصبحا موجودين في جنيف، فإن ما حصل أمس هو تبادل الاتهامات والشروط والشروط المضادة. وفي هذه الأجواء المكفهرة، يبدو المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بصورة «المتفائل الأبدي» كما يسميه أحد السفراء الغربيين المولجين الملف السوري.

ومجددا استحق دي ميستورا أمس التوصيف، إذ إنه كان المسؤول الوحيد من بين الموجودين في جنيف (بمن فيهم ممثلو «مجموعة الدعم الـ17 الداعمة لسوريا وعلى رأسهم مندوبو الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وفرنسا وبريطانيا والمندوبون العرب)، الذي يميل إلى التفاؤل ويعول على نتائج إيجابية. وحتى الآن، اكتفى المبعوث الدولي بلقاءات «استكشافية» أو «تمهيدية» كما يسميها فيما يخطط لجلستين رسميتين منفصلتين اليوم الاثنين، واحدة مع وفد الهيئة العليا للمفاوضات والثانية مع وفد النظام.

وأمس، بكر دي ميستورا في لقاء وفد المعارضة الذي وصل مساء السبت واستقر في أحد الفنادق وسط المدينة السويسرية، وذلك في أول اتصال بين الطرفين. وعقب اجتماع لم يدم طويلا، قال دي ميستورا للصحافة المتمترسة على أحد مداخل الفندق، إنه «متفائل ومصمم على انتهاز الفرصة التاريخية التي لا يجب تفويتها». لكن دي ميستورا أردف أنه ليس من الواضح بعد (بالنسبة إليه) ما إذا كانت «الهيئة»، (التي لم يصل منسقها العام رياض حجاب إلى جنيف بعكس الأنباء التي راجت عصر السبت)، ستعقد اجتماعا رسميا في مقر الأمم المتحدة في جنيف، حيث يريد أن يستقر وفدا المعارضة والنظام في جناحين منفصلين على أن يقوم بالتنقل المكوكي بينهما. والسبب في ذلك، أن وفد المعارضة متمسك بتلبية المطالب التي يتمسك بها والتي يريد أن تتحقق حتى يقبل الدخول في المفاوضات. وبسبب وقوعه ما بين الشك واليقين، فإن المبعوث الدولي كان ينتظر قرار الهيئة ليرى ما إذا كان الاجتماع الرسمي المذكور سيحصل أم لا في المقر الأممي.

وأفادت مصادر دي ميستورا أنه «يعول» على تدخل أطراف دولية وإقليمية لدفع المعارضة من أجل القبول بالدخول إلى القاعة بعدما نجحت هذه الأطرف في إقناعها بالتوجه إلى جنيف. وفي هذا السياق، يعقد ممثلون عن مجموعة الـ17 اجتماعات متلاحقة ومتنقلة في المدينة السويسرية، إذ إنهم يريدون أن يلعبوا دور «الإطفائي» وفق تعبير غربي معني بهذه الاجتماعات.

والواقع أن انتقال وفد المعارضة إلى سويسرا لم يغير من الأمور شيئا، إذ إنها ما زالت متمسكة بتلبية المطالب «الإنسانية» التي تتمسك بها وتعتبرها غير خاضعة للنقاش حتى تقبل المشاركة في المفاوضات. وقال المتحدث باسم الوفد سالم المسلط، في مؤتمر صحافي عقده في جنيف أمس، إن الغرض من هذه المطالب وضع حد لمعاناة السوريين ولا بد منها للانطلاق في «مفاوضات جادة». أما أبرز الخطوات المطلوبة من النظام فهي: «دخول الطعام إلى الأطفال وخروج النساء من معتقلات النظام ووقف الإجرام الروسي بحق المدنيين». وإذ وصف المسلط الوجود الروسي في سوريا بأنه «احتلال»، وأن عمليات القصف التي يقوم بها طيرانه «بربرية» ويجب أن تتوقف، طالب بتحقيق «شيء ما على الأرض». لكن المسلط ووفق رؤية المعارضة لم يتحدث عن «شروط مسبقة» للمعارضة لقبو العملية التفاوضية، لأن المعارضة تضعها في إطار بنود القرار الدولي رقم 2254 واجبة التنفيذ والذي صوت عليه أعضاء مجلس الأمن بالإجماع. وكان دي ميستورا وصفها قبل أيام بأنها «غير قابلة للنقاش»، فيما قال مصدر دبلوماسي غربي أن هذه المطالب وعلى الأقل بعضها «يمكن أن تتحقق في ساعة» لو أراد النظام ذلك.

وتعتبر المعارضة أن الورقة «الرابحة» والضاغطة على الأمم المتحدة ومبعوثها وأطراف مجموعة الـ17، هي بقاؤها أو رحيلها عن جنيف. وفي حال قررت البقاء، فإنها قادرة على استمرار ممارسة الضغط عن طريق رفض الدخول إلى قاعة الاجتماعات الرسمية بانتظار الاستجابة لمطالبها. غير أن إشكالية إضافية رأت النور وتتناول ما حصلت عليه المعارضة حتى قبلت الرضوخ للضغوط والمجيء إلى جنيف: هل حصلت على ضمانات خطية أو شفهية ومن أية جهة أم ما حصلت عليه لا يتجاوز كونه تأكيدا على دعمها والوقوف إلى جانبها في حال ذهبت إلى جنيف؟

في مؤتمر صحافي للمعارضة أمس في جنيف، قالت بسمة قضماني وهي عضو في وفد التفاوض إن الوفد جاء إلى جنيف بعد أن تلقى ضمانات والتزامات محددة بأن يتحقق تقدم جدي بشأن الوضع الإنساني، مضيفة أنه لا يمكن للمعارضة بدء المفاوضات السياسية قبل أن تتحقق هذه الأمور. وبحسب قضماني، فإن المعارضة حصلت على تطمينات من دي ميستورا الأمين العام للأمم المتحدة وبان كي مون ومن وزير الخارجية الأميركي جون كيري. بيد أن أطرافا أخرى من الوفد تنفي وجود ضمانات وتتحدث عن دعم سياسي ودبلوماسي وتأييد لمطالبها. وكان بيان رسمي صدر عن الهيئة لدى وصولها إلى جنيف واضح وفيه أن وفدها سيبلغ المبعوث الدولي الانسحاب في ظل عجز الأمم المتحدة والقوى الدولية عن «وقف الانتهاكات». وأكثر من ذلك، أكد رياض نعسان الآغا أن الوفد «لن يبدأ المفاوضات ما لن تصدر قرارات تؤكد إنهاء الحصار ووقف قصف المدنيين». ولخص المسلط نظرة المعارضة لما يسعى إليه النظام الذي «لم يأت إلى جنيف من أجل التوصل إلى حلول سياسية بل لكسب الوقت».

رد النظام جاء سريعا وعلى لسان السفير بشار الجعفري الذي يقود وفده المفاوض. فقد كال الأخير الاتهامات للمعارضة التي وصفها بأنها «غير جدية» والدليل على ذلك، وفق ما قاله، أن وفد المعارضة تأخر في الوصول إلى جنيف وأنه يعتم على تشكيلة أسماء أعضائه التي «لا نعرفها كذلك لا يعرفها المبعوث الدولي». وأكد الجعفري أن وفد الحكومة السورية «ذاهب لحوار سوري سوري وأن لا مفاوضات وفق شروط مسبقة وتحت ضغط الخارج»، مضيفا أن التوصل إلى حل في سوريا «لا يمكن أن يتم من غير التزام جدي بالتفاوض والعمل». واستند الجعفري إلى القرار الدولي رقم 2254 ليركز على أن «السوريين هم الذين يقررون ماذا يفعلون» دون تدخل من أي طرف خارجي. وإذ ندد الجعفري بـ«التدخلات الخارجية» في الأزمة السورية، إلا أنه تناسى الأدوار التي تلعبها إيران وروسيا والتنظيمات المسلحة في الحرب في سوريا.

وككل مرة، ركز الجعفري على موضوع الإرهاب وهو ما كان قد أثاره خلال الاجتماع مع دي ميستورا. وحرص مندوب النظام السوري على لصق صفة الإرهاب، كما يفهمها النظام بالمعارضة أيا تكن مكوناتها، إذ أشار إلى أن الشعب السوري «يواجه الإرهابيين من الأستراليين والأوزبك والشيشانيين وهم يأتون بالآلاف ويتسللون عبر الحدود»، مضيفا بلهجة متهكمة أنهم «يتحولون إلى معارضة معتدلة». لذا، فإن الحكومة السورية «عازمة على محاربة الإرهابيين وتطبيق القانون». وخلاصة الجعفري التي سبق أن رددها النظام أكثر من مرة، أن الوفد «لن يتحدث إلى إرهابيين». وبحسب مصادر غربية، فإن هذه النقطة بالذات هي التي دفعت بالمبعوث الدولي إلى اقتراح مفاوضات غير مباشرة يلعب فيها دي ميستورا وأعوانه دور الوسطاء.

وفيما تريد المعارضة الدخول فورا في موضوع مناقشة العملية السياسية والانتقال السياسي كما تفهمها، أي تشكيل هيئة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة وترفض أي دور للرئيس السوري عند بدء العملية الانتقالية، نفى الجعفري أن يكون القرار الدولي الأخير قد تحدث عن «هيئة حاكمة انتقالية»، وأنه تحدث فقط عن حكومة «ذات صدقية». ويري دبلوماسيون موجودون في جنيف أن هذه المسألة بالذات، عندما تتم معالجة الملف الإنساني في حال النجاح في معالجته «ستنفجر في وجه المتفاوضين» ما يعني العودة بالأزمة السورية إلى المربع الأول.

&&