عبد الرحمن الراشد

الأقرب أنها بيان من كونها مكالمة سرية مسربة، القيادي في حركة حماس موسى أبو مرزوق يصف في اتصال هاتفي إيران بالكذب والتدليس. وتقول حماس لا بد أن أجهزة أمن كبيرة مثل الإسرائيلية هي التي نشرت المكالمة. وعندما تسمعها لا تجد فيها شيئا سريا، لا أسماء ولا أرقام، مجرد رأي ناقد في إيران سبق وقاله أبو مرزوق نفسه في الإعلام من قبل ولم يهتم له أحد.


ويقول في مكالمته إن إيران لم تقدم لهم دعما منذ عام 2009! وإذا كان هذا الزعم صحيحا، فلماذا ظلت حماس تساند إيران طوال ست سنوات مجانا؟ حتى حزب الله اللبناني ما كان سيبقى على تأييده إيران لو أوقف عنه النظام في طهران الدعم السنوي، فما بالنا بتنظيم يصف نفسه بالسني الديني! ونعرف أنه بسبب تحالفه مع نظامي إيران والأسد عادى القوى المختلفة مثل السلطة الفلسطينية، وعلى خلاف مع معظم دول الخليج، لسنين طويلة! حماس ساندت الإيرانيين في كل قضية، بما فيها سوريا في البداية. ثم بعد أن استنكرت الجماعات الدينية موقفها أعلنت التزامها الحياد حيال الذبح المستمر ليس فقط للشعب السوري، بل أيضا للفلسطينيين في مخيم اليرموك وغيره هناك، على أيدي قوات وميليشيات إيران وحزب الله.


أبو مرزوق الذي يتهم إيران بالباطنية لم يكذب في ذلك، لكن حماس وحركة الإخوان المسلمين التي تنتمي لها، أكثر باطنية وسرية من إيران، تضمر أكثر مما تعلن. ولا شك أن المكالمة «السرية المسربة» مجرد طعم للإعلام، وضمن حملة من إدارة حماس، وعبر صحافييها، موجهة لعواصم خليجية تريد الضغط عليها لتغيير موقفها وتمويلها. قبل أسبوعين «سربت» حماس ما وصفته بمعلومات «خاصة»، أن سفيرها في طهران يقول إيران تطلب من حماس أن تتبنى موقفا ضد السعودية، لكن مكتب حماس السياسي قرر رفض الطلب الإيراني. وقال الخبر «المسرب» إن إيران أوقفت الدعم عنها بسبب موقفها من سوريا! ويبدو أن مصممي الحملات لا يقرأون بياناتهم السابقة لأن أبو مرزوق يقول في المكالمة «المسربة» إن إيران أوقفت الدعم عام 2009، والمكتب السياسي يقول بسبب سوريا في عام 2012!
الأكيد أن حماس في ضائقة مالية كبيرة، إنما ليس لأن إيران أوقفت أموالها، بل لأن الجيش المصري هدم مئات الإنفاق التي كانت مصدرا ماليا ضخما لسنين طويلة، ومنع الحركة الاقتصادية بشتى أنواعها ردا على ما تقول السلطات المصرية إنه ضد دعم حماس للجماعات المسلحة في سيناء، وضد تضامنها مع حركة الإخوان المحظورة في مصر.


وفي موقف باطني تقول حماس بأنها أخذت موقفا علنيا ضد الحوثيين، لكن من يقرأ بيانها اليتيم يجده مائعا حتى يمكن تفسيره على أكثر من وجه.


وقد يقول البعض ما المطلوب من حماس، هل هو قطع العلاقة مع إيران وحزب الله؟
في رأيي صعب أن نصدق حتى لو قالت إنها قطعت علاقاتها. تصريحات حماس وتنظيماتها الفرعية، مثل كتائب القسام، وقياداتها المتعددة، متلونة. أيضا، لم يعد مهما موقفها من إيران، في الوقت الراهن، لأن الرأي العام في العالم العربي، معظمه ضد إيران ونظام الأسد وحزب الله. وقد كان هذا الثلاثي الشرير يستخدم حماس في الماضي لأغراضه. فسوريا وظفت حماس لعشرين عاما من أجل موازنة علاقتها مع إسرائيل وإضعاف السلطة الفلسطينية التي كانت دائما على خلاف مع نظام الأسد منذ زمن ياسر عرفات. أما إيران فقد استخدمت حماس جنوبا وحزب الله شمالا ضمن ضغوطها على إسرائيل للوصول إلى هدفها في المساومة مع الغرب، وهي قد حققت غرضها اليوم. حماس أدت دور حصان طروادة للإيرانيين بشكل جيد.
سواء لفظت إيران حماس لسبب سياسي، أم أن سعر البترول لم يعد يسم

ح لها بشراء مواقفها، فإن الجانب المهم ليس إيران، بل توحيد الصف الفلسطيني، وإنهاء حالة الانقسام التي كانت حماس سببا فيها. وليس من مصلحة أحد في العالم العربي، وتحديدا داخل فلسطين، الإبقاء على جمهوريتين فلسطينيتين متنازعتين. وقد مد يده الرئيس الفلسطيني محمود عباس كثيرا، وقدم الكثير من التنازلات من أجل إنهاء القطيعة، لكن حماس، بسبب صلاتها بخصوم السلطة الفلسطينية، سواء من دول خليجية أو إيران، كانت ترفض. الآن اختلف المشهد كثيرا. فإن كان هدف حماس من حملة العلاقات العامة المصالحة مع الخليجيين، بقولها إنها تغيرت، وإنها أصبحت ضد إيران والأسد، وإنها صارت تقدر السعودية، فإن الأجدر بها أن تتصالح مع بقية الفلسطينيين قبل الخليجيين، أن تعود للسلطة في رام الله وتتحد معها. هذا أهم من المواقف الكلامية، حيث لم تعد مواقفها السياسية الخارجية مهمة للخليجيين أو السوريين أو اليمنيين.
&