د.ابراهيم العثيمين

خاطب رئيس الوزراء البريطاني السابق شعبه في بداية الحرب العالمية الثانية، «إن أهم المؤسسات التي يستعصي على بريطانيا شن الحرب ضدها في ألمانيا ليست القواعد والثكنات العسكرية إنما المدارس الألمانية». تذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ خبر قيام دولة الامارات بأدراج عملية «عاصفة الحزم» ضمن مادة «الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية» التي تدرس للصف العاشر بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويشمل الموضوع الدراسي شرحاً عن «عاصفة الحزم» وتاريخ انطلاقتها وعدد الدول المشاركة فيها بالإضافة إلى أسباب مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة فيها. اعتقد ان مبادرة دولة الامارات بإدراج العملية ضمن المناهج الدراسية مبادرة جدا مهمة وخطوة نحو ربط الطالب بقضاياه الوطنية، وتوثيق الصلة بها. لكنها برأيي خطوة مهمة في اعادة التفكير لأهمية اشراك السياسة في العملية التعليمية والا يقتصر دور المؤسسة التعليمية في أن تكون مجرد أماكن لتخريج الطلاب والحصول على الشهادات، بل ان يكون لها دور ايجابي في حماية ابنائنا وبناتنا وتحصينهم من استقطابات الجماعات الارهابية والجهادية المتطرفة وذلك من خلال:


• تعزيز قيم الهوية الوطنية في نفوس النشء خاصة في ظل ما تشهده المنطقة من اضطرابات وتجاذبات سياسية خطيرة. كان اهم ما اصاب الدولة القومية بعد ما يسمى الربيع العربي هو عدم قدرتها على توفير وضمان الحقوق الأساسية لأفرادها (التعليم، الصحة، السكن والشغل)، وحفظ الأمن والاستقرار وبالتالي نشأت ولاءات دون الدولة ولاءات اما قبلية او طائفية لان الفرد احس ان الدولة لا تستطيع توفير الامن له فلجأ الى القبيلة او الطائفة. هذا الانتماء الى هويات (ما دون الدولة) ادى الى إضعاف وتفكك الدولة، وبالتالي تحولت الى ارض خصبة للجماعات الارهابية والجهادية المتطرفة. يقول هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومستشار الأمن القومي في كتابه الجديد المعنون بـ «النظام العالمي.. تأملات في شخصية الأمم ومسار التاريخ» والذي يعالج فيه معركة البقاء بين الامم «إن الشرق الأوسط يعيش نزاعًا يشبه النزاعات التي واجهتها أوروبا في القرن التاسع عشر من حروب دينية، نتيجة انهيار الدولة وتحويل أراضيها لقاعدة للإرهاب، وتهريب السلاح نتيجة تفكك الدولة الذي سيؤدي إلى تفكك النظام الإقليمي والدولي». وعليه فإن تعزيز دور الدولة وقوتها لدى اذهان ونفوس جيل النشء وانها لا تزال لديها القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية للدولة والمحافظة على كيانها وحماية حدودها يعزز لديهم قيم الهوية الوطنية والمواطنة الإيجابية.

• الا ان هذا الانتماء للدولة وكيانها وقيمها لا يكون الا بوعي سياسي، فالله سبحانه وتعالى يقول «فاعلم أنه لا إله إلا الله»، فقدم العلم على الايمان. فالإيمان بالهوية الوطنية وغرسها في اذهان جيل النشء يحتاج الى تنمية الوعي السياسي والإسهام في التنشئة السياسية للطلاب لكنها تنشئة ممنهجة وتحت رقابة الدولة حتى لا تتعرض للتوظيف السياسي والايديولوجي من قبل الحركات الاسلامية المتطرفة وبالتالي فزيادة الوعي السياسي لدى الطلاب وجعلهم على دراية بقضايا مجتمعهم والتفاعل معها والاهتمام بها ورفع مستوى المسؤولية لديهم خاصة مع مد الحركات الارهابية وتزايد الاصوات المطالبة بسقوط الدولة القومية وتزايد حدة الصراعات والانقسامات السياسية في المنطقة، سوف ترفع بلا شك انتماءهم للدولة وتعزز هويتهم الوطنية. فعزل التعليم عن السياسة يفرغ العملية التعليمية من مضمونها السياسي وهذا الفراغ يؤدي في نهاية المطاف الى السطحية والارباك لدى جموع الشباب مما يجعلهم فريسة سهلة الى استقطابات التيارات الارهابية المختلفة.

لذا اعتقد ان دول الخليج في حاجة ماسة الى اعادة التفكير لأهمية اشراك السياسة في العملية التعليمية بما يضمن إعداد جيل صالح لديه رؤية ووعي بقدر كاف في مختلف القضايا السياسية. فنظام التعليم كان دائما أحد اهم الادوات في رفع الوعي وخلق شخصيات متزنة متكاملة تؤهل صاحبها الى عدم التسليم بأي معتقدات او افكار الا بعد نقدها وتمحيصها وغربلتها ودراستها دراسة معمقة.