سمير عطا الله


بعد ظهر ذات يوم فتحت الراديو على الـ«بي بي سي» كالعادة، فإذا علاء الأسواني يتحدث. وهذه حالة نادرة. كان محاوره يقاطعه قبل انتهاء الجواب، أو قبل الشروع به. وكان صاحب «عمارة يعقوبيان» يجاهد لكي يمرر كلمة بين الاعتراضات. لم أكن أعرف من هو السيد المحاور، لكنني كنت واثقًا من أنني أريد الإصغاء إلى الأسواني في كل الحالات. فالرجل ليس على التلفزيونات والإذاعات كل يوم، بالإضافة إلى أنه «محجوب» عن الكتابة في مصر، وليس ممنوعًا.


أخيرًا، سمعت الأسواني يستغيث في وجه مضيفه قائلاً: «أرجوك، دعني أكمل». وسمح له بأن يكمل للحظات، ثم عاد يقاطعه، فتوسل إليه ضيفه هذه المرة مختنقًا: «أرجوك، دعني أتنفس». وتكرر القطع والقمع. وتتكرر هذه الحالات في معظم برامج «الحوار». السائل يحاول أن يثبت أنه يعرف أكثر من ضيفه، وأنه ليس أقل أهمية منه، وأن الحظ وحده قلب المقاعد. وفي حالات غير قليلة، هذا صحيح أيضًا. لكن الحل الأمثل هو أن يستضيف المحاور نفسه من دون أن يخوض مع ضيفه حرب مواقع، ويحوّل البرنامج من وسيلة للجواب إلى تقطيع وتقاطع ولهاث.


إدارة الحوار ليست عملاً سهلاً. والمضيف يخشى دائمًا الوقوع في الرتابة والبطء. وهاجسه أن يحصل على العدد الأوفر من الأجوبة خلال الوقت المتاح. لكن الفارق هو بين المهارة والشطارة. بين دقة الميزان والخلل في التوازن. وأعترف أن هناك برامج لا أشاهدها مهما كان الضيف مُهمًا عندي، مفضلاً في هذه الحال، برنامج مصارعة حرة أو ملاكمة مفتوحة.


فقد حدث مرات كثيرة أن أتشوق لسماع ضيف يضيء علينا شيئًا من مجرى حياتنا، فإذا البرنامج يتحول إلى تلقين من المضيف أو المضيفة، للضيف المسكين، وإلى تصحيح لمعرفته، وإلى معارضة لما يعرف، وإلى تسخيف للجواب، أو إلى الهزء من محاولته الإجابة لأسباب تعنيه.


هل دعي الضيف لكي يقول ما يريد أن يقول، أو ما يريد المضيف أو المضيفة أن يسمعا؟ وبأي طريقة وأي مطرقة؟ وإذا كان ذلك يوتر المشاهد إلى درجة المرض، فكيف بالضيف المحاصر في الأستوديو؟ ليس لدى الجميع الجرأة على الاستغاثة مثل علاء الأسواني: (رجاء دعني أكمل، رجاء دعني أتنفس)! وبالمناسبة، تحية إلى المضيفين العريقين الذين يعرفون ويقدرون احترام السامع قبل الضيف.
&