&محمد قيراط&

أستسمح القارئ الكريم في عنونة هذا المقال بـ"دورة تكوينية لفائدة مهنيي الصحافة" قدمتها الأسبوع الماضي في المدرسة الوطنية العليا للصحافة بابن عكنون بالجزائر العاصمة بدعوة كريمة من وزارة الاتصال.

المتتبع اليوم للممارسة الإعلامية في معظم دول العالم يلاحظ أزمة ثقة وانعدام المصداقية فيما تقدمه وسائل الإعلام إلى الجمهور، فالمؤسسات الإعلامية تعاني اليوم في مختلف دول العالم شماله وجنوبه غربه وشرقه من انحرافات وتجاوزات عديدة فيما تقدمه للجمهور من رسائل ومنتجات إعلامية. من جهة أخرى يتعرض الصحفي لضغوط مختلفة خلال تأدية مهمته من قبل جهات عديدة ومختلفة شغلها الشاغل هو ابتزاز واستغلال المؤسسة الإعلامية لمصالح ضيقة على حساب إعلام موضوعي، ملتزم، مسؤول ونزيه وهادف. والنتيجة في نهاية المطاف لهذا الوضع غير السوي هو التشويه والتضليل والإثارة والانحياز في طرح القضايا المهمة في المجتمع وحرمان الرأي العام من الحقيقة والمعلومة السليمة التي يعتمد عليها لتشكيل مواقفه وآرائه وقراراته.

يتكون ميثاق الشرف الإعلامي من مجموعة من المبادئ والقيم التي يتفق عليها المهنيون في حقل الإعلام حتى يحموا أنفسهم ومهنتهم وعملهم من أي مشكلات أخلاقية وأي انزلاقات من شأنها أن تسيء للصحفي ولمهنة الصحافة. فالأمر هنا يتعلق بأهمية مهنة الصحافة ودورها الاستراتيجي والحساس في المجتمع، فالصحفي بعمله اليومي يقوم بإخبار وإبلاغ المجتمع بما يحدث وبذلك فإنه يساهم في تشكيل الرأي العام وتقديم الصورة الحقيقية وليس الصورة المفبركة عن المجتمع. وهذا يعني أن على الصحفي أن يلتزم بأخلاقيات المهنة وأن يلتزم بالحرفية اللازمة لمراقبة الهيئة التنفيذية في المجتمع وباقي المؤسسات في القيام بعملها وأدائها لمهامها وواجباتها حسب القانون والقيم والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع. وتأتي أهمية ميثاق الشرف الصحفي وأخلاقيات المهنة لضمان التزام الصحفي بمسؤوليته ورسالته أمام المجتمع دون أن ينحاز لطرف ضد طرف آخر وبدون أن يتجاهل أو يغيّب الحقيقة على الرأي العام. فالهدف الأسمى للصحفي هو أن ينحاز إلى الحقيقة لا غير وأن يعمل ليل نهار في إطار القانون، وأخلاقيات المهنة للوصول إلى الحقيقة وتقديمها لأفراد المجتمع. إن السكوت عن الحقيقة وإخفاءها يعتبر جريمة كبيرة في حق الرأي العام والمجتمع، فليس من حق الصحفي أن يركز على قضايا ويتناسى قضايا أخرى، وليس من حقه كذلك التلاعب بالمعلومات وممارسة التشويه والتضليل من أجل إرضاء جهة معينة أو أطراف معينة على حساب الحقيقة والرأي العام. ما نلاحظه اليوم في الكثير من المؤسسات الإعلامية هو توظيف الوسيلة الإعلامية لأغراض لا علاقة لها بالرسالة النبيلة للإعلام وإنما خدمة مصالح ضيقة لقوى سياسية ومالية فاعلة في المجتمع لا تهدف بالضرورة لتحقيق الخير والصالح العام لكافة شرائح المجتمع.

من جهة أخرى نلاحظ الانحياز التام للسلطة على حساب الحقيقة وتقديم المعلومة للرأي العام، وفي كلتا الحالتين يكون الإعلام قد فشل في أن يكون منبرا للنقاش والحوار من أجل تكريس الديمقراطية وتحقيق التنمية المستدامة كما يكون كذلك قد خرج عن رسالته النبيلة وعن دوره في إعلاء كلمة الحق ومراقبة السلطة والكشف عن الفساد والتجاوزات وأن يكون منبرا للسوق الحرة للأفكار وللفضاء العام.

تتمحور رهانات أخلاقيات مهنة الصحافة في كون المؤسسة الإعلامية مؤسسة اجتماعية، أي أنها تختلف عن المؤسسات الاقتصادية والتجارية الأخرى في المجتمع كونها تنتج الفكر والمعرفة والمعلومات والبيانات والذاكرة الجماعية للمجتمع، فهي المؤرخ اليومي لما يجري في المجتمع في مختلف المجالات، وبهذا فهناك مسؤولية اجتماعية وتاريخية وأخلاقية وإنسانية للمؤسسة الإعلامية.

من جهة أخرى تتمثل الرسالة المحورية للمؤسسة الإعلامية في البحث عن الحقيقة والعمل الدؤوب والمستمر للوصول إليها وتقديمها للجمهور. ومن هنا يجب على المؤسسة الإعلامية أن تؤمن إيمانا راسخا بحرية العقيدة وحرية الفكر وحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والحق في المعرفة وحق الجمهور في الحصول على المعلومات والإيمان بتعددية مصادر المعلومات وتنوعها واحترام حقوق كل الأطراف في التعبير عن رأيها والعرض المتوازن لآراء الجهات المختلفة واحترام حق الرد واحترام حق النقد وكشف الانحرافات والفساد في المجتمع والكشف عن سوء استغلال السلطة واحترام المؤسسات الديمقراطية واحترام الدستور والقوانين.

تتحدد المحاور الرئيسية لميثاق الشرف الإعلامي في: المسؤولية، الأخلاق، الدقة والموضوعية، احترام شعور وديانات ومقدسات الآخرين، احترام الحياة الخصوصية لأفراد المجتمع، حق الجمهور في الأخبار والمعرفة والمعلومات، الالتزام باحترام المهنة والدفاع عنها وحمايتها من كل من يحاول المتاجرة بها أو استعمالها لأغراض غير المصلحة العامة وأغراض المجتمع، الالتزام بحماية الصحفي وحصانته والدفاع عنه عندما تستدعي الضرورة ذلك.

فمن واجب الصحفي تجنب أي عمل يسيء للمهنة وحظر قبول الرشاوى وقبول الامتيازات والهدايا والرحلات المجانية..إلخ. على الصحفي كذلك عدم الولوج في صراع المصالح والأنشطة السياسية والأنشطة الاقتصادية والتجارية والقيام بأنشطة العلاقات العامة.

أكثر من أي وقت مضى تحتاج المؤسسة الإعلامية إلى ميثاق شرف وهي كذلك مسؤولة على تكوين صحفييها ونشر ثقافة المسؤولية والأخلاق واحترام المهنة والمجتمع والحقيقة. وهنا يجب التأكيد على أن المواثيق لا تكفي، فعلى الصحفي أن يؤمن برسالته في المجتمع والمسؤولية الملقاة على عاتقه كما من واجبه أن يعمل على تكوين نفسه وترقية أدائه وصقل مواهبه ومتابعة آخر التطورات في المهنة محليا وإقليميا ودوليا.

من جهة أخرى لا نستطيع أن نتكلم عن أخلاقيات المهنة دون المهنية وعندما نتكلم عن المهنية فهذا يعني التكوين الجامعي والتخصص والاشتراك في الجمعيات المهنية والنقابات وكذلك التعليم المستمر. فالمهنية تعني احترام المهنة والدفاع عنها وبذلك احترام اخلاقياتها ومبادئها. مع الأسف الشديد يعاني الإعلام العربي من غياب جمعيات مهنية قوية تعمل على حماية المهنة من المتطفلين وتطوير أداء الصحفيين من خلال التعليم المستمر والدورات التدريبية، حيث نلاحظ غياب المجالس الصحفية وجمعيات الناشرين ومجالس القراء وانعدام دور المجتمع المدني. وهنا يجب الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين أخلاقيات الصحافة وحرية الصحافة وحرية الفرد في المجتمع والفصل بين السلطات.

الإعلام دون أخلاقيات لا يستطيع أن يقدم الشيء الكثير في المجتمع وبدلا من أن يكون في خدمة الحقيقة والمصلحة العامة نجده في موقع لا يُحسد عليه، تتقاذفه أمواج المال والسياسة على حساب الرسالة النبيلة لمهنة شريفة. التحديات كبيرة ما يتوجب تكاثف جهود الجميع -المؤسسة الإعلامية، الصحفيون- النقابات والجمعيات الصحفية- المجالس الإعلامية –سلطات الضبط- المجتمع المدني- لحماية المهنة والقائمين عليها والجمهور من سطو وتكالب قوى عديدة في المجتمع تعمل جاهدة لتوظيف الإعلام لتحقيق مصالحها مستعملة كل الطرق والوسائل من تلاعب وتضليل وتزييف وتشويه وتعتيم.