عدنان حسين&

لم أفهم أبداً موقف النائب عن منظمة بدر ودولة القانون قاسم الأعرجي حيال اعترافات زميله في مجلس النواب مشعان الجبوري بأنه قد قبض رشىً بقيمة ملايين الدولارات، وأنه ليس المرتشي الوحيد بين أفراد الطبقة السياسية المتنفذة في السلطة الحالية، بل أكد مراراً في اعترافاته التلفزيونية أن جميع السياسيين وأصحاب المناصب الرفيعة في صورته وعلى شاكلته، "فاسدون ومرتشون".

مشعان الجبوري لم يأت بجديد في اعترافه هذا.العراقيون كلهم تقريباً يعرفون أن الغالبية العظمى من أفراد هذه الطبقة السياسية مرتشون وسراق مال عام وخاص. وهؤلاء العرقيون ما كانون ليحتاجوا الى اعتراف الجبوري ولا الى التوافر على الوثائق المصدقة بالأختام الرسمية.. يكفيهم أنهم في حال مزرية للغاية ، وربما أسوأ من حال شعوب الدول الأكثر فقراً في العالم، مع ان دولتهم كانت لسنوات عدة يتدفق عليها ما يزيد على 100 مليار دولار في السنة من عوائد النفط وحده.. العراقيون يعرفون ان مئات المليارات التي لم يظهر لها أي أثر في حياتهم، غير الآثار الكارثية، انما تسربت الى خارج البلاد وان مسربيها هم أفراد متنفذون في السلطة الحالية وشركاء لهم.

كان المنتظر من النائب الاعرجي، بوصفه نائباً عن الشعب، أن يطلب من المدعي العام التحقيق في ما جاء في اعترافات مشعان لكشف الحقيقة.

الأعرجي بدلاً من ذلك طالب برفع الحصانة عن زميله مشعان وإحالته الى هيئة النزاهة التي هي نفسها لا توجد ثقة بها، ففي تاريخها لم تنجح في الكشف عن أي من قضايا الفساد الكبرى .. ظل اختصاصها مقتصراً على القضايا الصغيرة، والسبب معلوم، فهيئة النزاهة، كباقي ما توصف بالهيئات "المستقلة" ليست مستقلة في الواقع .. التعيينات في مناصبها العليا ووظائفها الدنيا تأتي عن طريق الأحزاب والكتل التي ينتمي اليها كبار الفاسدين والمفسدين في دولتنا.

موقف النائب الاعرجي لا يمكن فهمه إلا بأنه يريد وضع القضية التي أثارها مشعان في اليد غير الأمينة، وهو ما يعبّر عنه المثل الشعبي القائل "ودّع البزون شحمة"، أو أن الاعرجي لا يريد لاعترافات مشعان أن تأخذ مسارها الطبيعي بأن ينظر فيها الادعاء العام ويقرر القضاء مصيرها.

لا أحد مطلوب منه الآن أن ينظر في قضية اعترافات مشعان عن نفسه واتهامه لزملائه وسواهم بالفساد، غير هيئة الادعاء العام الواجب عليها أن تتحرك من تلقاء نفسها، وليس بطلب من أحد، لرفع الحصانة عن مشعان والتحقيق معه.

فقط عندما يحصل هذا سنكون مطمئنين إلى أن العدالة يمكن أن تأخذ مجراها وأن تتحقق في نهاية المطاف.. كل عمل بخلاف هذا سيعني مسعىً للتستّر على الحقيقة.

&