&تحولات مفاجئة شهدها المسرح السياسي السوداني في الآونة الأخيرة (على الصعيدين المحلي والدولي)، والأبرز تحول بوصلة السياسة الخارجية على الصعيد الإقليمي من موجبات الطاعة لسياسات الولي الفقيه أو «المرشد الإيراني الأعلى» إلى التماهي مع مستجدات المسرح السياسي العربي ومناصرة الحسّ القومي.

كثيرة هي الاستفهامات حول دواعي الارتدادات السياسية التي مارستها الخرطوم حيث تَشَي الكواليس أن وزارة الخارجية السودانية لم تعد الجهة المعنية بملف العلاقات مع كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بعد أن أسند الرئيس السوداني عمر البشير هذين الملفين إلى وزير الدولة برئاسة الجمهورية السودانية الفريق طه عثمان الحسين، الأمر الذي يصفه المراقبون بـ (الحالة الشاذة على التقاليد الدبلوماسية) وذلك حرصا من الرئيس على الإشراف على تنفيذ سياساته الجديدة في المنطقة.

الخرطوم إتخذت الكثير من المواقف التي أثارت تساؤلات، بداية من خطوة إغلاق المراكز الثقافية الإيرانية ومروراً بإرسال قوات للمشاركة في حرب اليمن ضد الحوثيين، وانتهاء بقرارها قطع العلاقات الدبلوماسية كلياً مع إيران وطرد سفيرها من السودان على خلفية الاعتداء على السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام المملكة السعودية لرجل الدين الشيعي نمر النمر، في وقت أبقت فيه بعض دول التعاون الخليجي «شعرة معاوية» مع إيران وهي المعنية بالأمر أكثر من السودان.

القرارات السودانية يصفها البعض أيضاً (بالمواقف مدفوعة القيمة) من أجل الخروج من الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد وآخرون يصفونها (باللهث وراء المال)، كما جاء على لسان البرفيسور الفلسطيني عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات صحافية لوكالة أنباء فارس أعقبت إعلان الخرطوم وعلى لسان وزير خارجيتها البروفيسور إبراهيم غندور رغبة بلاده التطبيع مع إسرائيل.

كل المعنيين بتقلبات الأنواء السودانية يتساءلون حول دواعي إتخاذ هكذا خطوات، لا سيما وان الخرطوم كانت واحدة من أكبر مناصري القضية الفلسطينية على الصعيد العربي فيما عرف بدول الممانعة وتتهمها إسرائيل بتمرير السلاح الإيراني لحركة المقاومة الفلسطينية حماس.

«القدس العربي» طرحت العديد من هذه التساؤلات الملحة على مسؤول العلاقات السياسية في حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان حامد ممتاز.

○ بداية ما هي المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لدعوتكم لزيارة بريطانيا ونعلم أن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين متضاربة في بعض المواقف وهذا تصنيف الحكومة السودانية.. فما الذي استجد في هذا الملف؟

• دعني بداية أقول إننا لم ننقّب في البحث عن المستجدات التي دفعت الخارجية البريطانية لتقديم هذه الدعوة. ولكن على المستوى العام في اعتقادي أنه تحوّل ايجابي يُحسب للخارجية البريطانية في إطار التواصل السياسي في ظل القطيعة غير المشروعة في العمل السياسي بين السودان وبريطانيا، ولكن على العموم هي زيارة تمثل نقطة تحول جديدة في العلاقة ما بين الدولتين. وأعتقد ان هذه مرحلة مهمة جداً في التحول ليكون بيننا تواصل خلافا لما كان في السابق.

○ هل لهذه الزيارة أي علاقة بقرار طردكم لمنظمة «ايركون» البريطانية من دارفور خلال الأسابيع الماضية؟

• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك ولكن الأمر هو فقط دعوة لا علاقة لها بهذا الموضوع من قريب أو بعيد، ولم نتطرق له في جولات التواصل التي تمت خلال الأيام الماضية.

○ إذن هل هي دعوة روتينية أم لها أجندات خاصة؟

• هي دعوة خاصة فيها برامج متعددة حيث إلتقينا عددا من القيادات السياسية البريطانية في برنامج استمر لخمسة أيام، ومن ثم كانت هنالك لقاءات خاصة بالمسؤولين الرسميين والسياسيين.

○ إذن أين الخصوصية وأنتم مدعوون ضمن مجموعة من المسؤولين الآخرين من دول أخرى؟

• الخصوصية في الجزء الثاني من البرنامج الذي إتفقنا عليه في الخرطوم بأن تكون هنالك لقاءات خاصة ذات طبيعة سياسية ترتبط بالخارجية والبرلمان البريطانيين.

○ بالعودة لملف العلاقات السودانية – الأوروبية كيف تقيّم مسيرة العمل الأوروبي في السودان في ظل الأوضاع الإنسانية المعقدة التي برزت مؤخرا للسطح بعد الصراعات التي ظهرت في اقاليم دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق؟

• أعتقد ان الدور الأوروبي غائب كلياً عن المشهد السياسي في السودان في ظل مقاطعة غير مشروعة، وهذا قائم فقط على عوامل سياسية لا تمت للواقع الإنساني بصلة واعتقادي يجب أن تتغير هذه السياسة تجاه السودان من أجل تغيير الواقع والمساهمة الايجابية في تحقيق عملية السلام في السودان والتنمية المستدامة، بإعتبار ان السودان يلعب دورا كبيرا جدا في استقرار افريقيا بصورة عامة والقرن الافريقي بصورة خاصة وبالتالي يجب على دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا القيام بدور ايجابي في عملية تحقيق السلام في السودان؟

○ شهد المشهد السياسي السوداني في الآونة الأخيرة الكثير من التقلبات والمواقف المرتجلة لخلق علاقات سياسية ودبلوماسية مع دول كثيرة، كما نشهد حراكا في الملف الإسرائيلي وقد عبّر حزبكم على لسان وزير الخارجية انه لا يمانع في إقامة علاقات تطبيع مع دولة إسرائيل وعاد نائب الرئيس حسبو محمد عبد الرحمن لينفي ذلك وهذا يقود للتساؤل الذي يدور في وجدان كل العرب والجهات المعنية بشؤون المنطقة العربية.. هل هناك توجهات فعلية للحزب الحاكم في السودان للتطبيع سرا مع إسرائيل وأنت المعني بهذا الملف؟

• أولاً ليست هناك تقلبات في الواقع السياسي وانما هي مسيرة العمل السياسي بطبيعة الحال تتغير حيث تغير المراحل السياسية. هذا هو الواقع ونحن الآن في ظل حوار وطني سياسي مفتوح تُناقش فيه القضايا التي تعيق مسيرة الاستقرار السياسي في السودان منذ سنوات طويلة جداً وهنالك حرية في نقاش القضايا بصورة واسعة وشفافية كاملة ولكل حزب رؤيته الخاصة في القضايا الست، وبالتالي من الممكن ان يظهر رأي مخالف للواقع العام وهذا لا يشكل مشكلة كبيرة. على مستوى العلاقة مع إسرائيل لم نتطرق إلى هذا الأمر في أوراقنا المقدمة ولا حتى في مشروعات الحزب، على مستوى الدولة ان تكون هنالك علاقات مع دولة إسرائيل وما ظهر في الإعلام ما هو إلا مجرد اقتضاب واختصار لحديث أُخرج من سياقه العام في إقامة علاقات مع إسرائيل، ولكنه لم يصدر من حزب المؤتمر الوطني وإنما عن أحد المشاركين في الحوار، وأعاد بذلك القضية إلى صدر اهتمامات الإعلام.

○ فلنفترض انكم لم تدعوا للتطبيع مع إسرائيل في هذه المرحلة، فهل لديكم أي خطط للتطبيع في المستقبل أو سرا كما يتحدث البعض؟

• لم ندرس ذلك أصلاً باعتبار ان الموقف مع إسرائيل مبدأ شعبي عام وليس موقف المؤتمر الوطني تجاه أرض مغتصبة من دولة إسرائيل.. نحن لم نطبّع ولم ندع لتطبيع ولم ندرس ذلك من قبل ولن نفكر فيه في المستقبل.

○ إذن أنتم ملتزمون بما جاءت به قرارات الجامعة العربية فيما يخص قضايا التطبيع مع إسرائيل؟

• نحن ملتزمون بقرارات الجامعة العربية وبقيمنا وأخلاقياتنا التي تحتّم علينا التعامل مع هذه القضية وفق ما ذكرت سابقاً.

○ في بداية حديثك ذكرت تقلبات المواقف السياسية والشاهد أن السودان كان دولة حليفة لإيران ولسنوات طويلة خلت وما أن جاءت أزمة اليمن تحول بدرجة أثارت الكثير من التساؤلات، خاصة وأن كثيرا من دول مجلس التعاون الخليجي لم تتخذ مواقف متطرفة وهناك من يرى ان موقف السودان متطرف لأنه ليس عضواً في مجلس التعاون الخليجي لكي يتداعى بكل هذه الدراماتيكية في مناصرة السعودية إلى حد القطيعة الدبلوماسية الكاملة مع إيران والتي تمثّلت في طرد السفير الإيراني من الخرطوم وسحب السفير السوداني من إيران؟

• تأكيدا لحقيقة سابقة لم يكن السودان حليفاً لإيران وإنما هي علاقات دبلوماسية عادية في إطار التواصل السياسي، وما ظهر مؤخراً أن لدينا قراراً مسبقاً تمثّل في غلق الملحقيات الثقافية لأسباب تخالف القوانين المحلية والأخلاقية وبالتالي تم هذا الاجراء استكمالاً لما بدأ في المرحلة السابقة، ونحن نراه موقفاً عادياً في اطار التبادل الدبلوماسي.

نحن في حلف لاستقرار عربي بيننا وبين أشقائنا في السعودية ودول الخليج الأخرى لذلك نرى مخالفات كثيرة في هذا الواقع الذي يظهر في الخليج من الحرب التي تُقام الآن في اليمن وبالتالي ملتزمون بتحالفنا مع السعودية وهذه هي قبلتنا الأولى والعلاقة بين السعودية والسودان تقوم على أساس الأخلاق والدين.

○ هناك شعور لدى السودانيين بأن حزب المؤتمر الوطني الحاكم يستخدم المواقف السياسية خدمة لأجندات وضرورات الحاجة الاقتصادية الملحة التي تعاني منها البلاد الآن، وتمثَل ذلك جلياً في ارسال قوات سودانية إلى اليمن، وأنتم الآن بصدد ارسال قوات إلى بعض دول الخليج مقابل المال، فما حقيقة ذلك؟

• هذا إتهام، لم نشتر ونبيع في قيمنا ومبادئنا وهذا ثابت في تفكيرنا السياسي وتجربة ارسال قوات إلى دول عربية، هذه سابقة في تاريخ السودان وليس ظاهرة في ظل حكومة المؤتمر الوطني.. هذا هو تواصل للتاريخ الذي ظل يقوم به السودان كشعب تجاه اشقائه في المنطقة العربية.

ونحن الآن نواصل ذات المسيرة في الدفاع عن مقدساتنا واشقائنا العرب بموجب مواثيق جامعة الدول العربية وهذا الاتهام ليس صحيحاً بأي حال من الأحوال. ظللنا نستخدم مواردنا المحلية طيلة سبع وعشرين عاماً وسنظل كذلك حفاظاً على المبادئ التي كتبناها في سيرتنا السياسية خلال المرحلة السابقة.

○ وماذا تقول هذه المبادئ إذا سُؤلت من قبل الشعب الفلسطيني المعني بملف التطبيع مع إسرائيل كمثال؟

• الشعب الفلسطيني ندعمه على المستوى العام وقوفاً خلف الحقوق المشروعة لاقامة دولتهم المستقلة في فلسطين المحتلة وما تزال هذه هي ذات الرسالة وما يزال هذا هو الموقف.

○ هل استقبالكم للاجئين السوريين جاء لقناعتكم بالمبادئ القومية أم انه فعل أملته الضغوطات الاقتصادية ونعلم ان الاتحاد الاوروبي وعدكم بأموال طائلة للمساهمة في الحد من هواجس الهجرة غير الشرعية التي اجتاحت أوروبا مؤخراً؟

• نعلم تماماً انه ليست هناك حوافز من المجتمع الاوروبي، ولا حتى السوريين أنفسهم يحملون معهم أموالا تحفّزنا لإستيعابهم بدواعي الفائدة، ولكنها ذات القناعة الأخلاقية التي تشكّل بطبيعة الحال أخلاق أهل السودان للوقوف مع صاحب المِحَن، والسوريون الآن بعد الحرب التي طالت بلادهم يتجهون نحو أشقائهم في السودان حيث استقبلوهم استقبالاً يليق بمكانة الشعب السوري ومحنته.

○ إلى أين وصل ملف العلاقات السودانية – الأمريكية ونعلم ان حزب المؤتمر الوطني ظل يردد بأن المعاناة الاقتصادية سببها العقوبات الاقتصادية الأمريكية؟

• هو ليس ترديدا، ولكن الواقع يقول ان العقوبات الأمريكية تضررت منها مشروعات التنمية في السودان وهذا الواقع اظهر عطالة بالآلاف وسط الشباب السوداني، وقد تضررت مشروعات الشركات كما هو الحال مع خطوط الطيران والمشروعات الزراعية والصناعية الأخرى والنقل عموماً. أمريكا تعاقب حتى من يتعامل مع السودان بموجب قانون الحصار الظالم. وهذا واقع ظلت تمارسه الولايات المتحدة تجاه السودان، وفي ظل هذا نحن ندير حواراً بدأ وهو يخص الخارجية السودانية رغبة في تحقيق توافق في ظل السياسة الندية بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية من أجل اعادة العلاقات إلى طبيعتها والتواصل السياسي.

○ الإدارة الأمريكية تقول ان عودة العلاقات لن تتحقق بخلاف ان تكتمل خريطة طريق وضعتها الولايات المتحدة الأمريكية عقب اتفاقية السلام الشامل لحل الخلافات الداخلية السودانية ومن بينها قضية دارفور ونشهد هذه الأيام عودة الصراع مرة أخرى إلى هذا الاقليم الأمر الذي دفع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للقول بأنه يستبعد انتهاء النزاع بين الحكومة والجماعات المسلحة في الاقليم.

السؤال هو، هل يمكن أن تتحقق العلاقات بينكم وأمريكا في ظل هذا الوضع الشائك؟

• ما يجري بين الولايات المتحدة والسودان هو ليس خريطة طريق وانما استعداء بيّن للشعب السوداني وليس النظام، والدليل هو الحصار المفروض الذي تحدثت عنه في نقطة سابقة وما يجري في دارفور هو فقط تحركات إدارية لتأمين المواطنين في الاقليم ضد المتمردين الذين يقومون بهجمات مستمرة على مواقع وقرى المواطنين.

وهو ليس جريمة إنسانية بطبيعة الحال ولكن ما يجري في دهاليز سياسة المجتمع الدولي تجاه السودان يصوّر كل ما تقوم به الحكومة من إجراءات لمواطنيها في إطار الاستهداف، ونحن نعتقد ان الوعود الأمريكية السابقة بالحوافز بعد توقيع اتفاقية «نيفاشا» والقيام بعملية تطبيق اتفاقية السلام الشامل كان وعداً كذوب وما يزال باعتقادي. ان الاستمرار في هذا الإجراء هو تأكيد لاستمرار مخالفة الخارجية الأمريكية لأطر الأخلاق في العلاقة المبدئية بين البلدين.

○ إذن أنتم لا تتوقعون ان تنفرج هذه العلاقة في المدى القريب؟

• نعمل جهدنا لأن تنفرج، ولكننا نعمل وفقاً لمصالح بلادنا وسيادة دولتنا على أراضينا، وما نقوم به من إجراءات قانونية ومشروعة وفقاً لمتطلبات حماية المواطن في التراب السوداني.

○ ألا ترى أن الإدارة الأمريكية أكثر منكم حرصاً على حماية المواطن السوداني وذلك من خلال تشددها في تنفيذ خريطة الطريق المذكورة والتي بموجبها ستتخذ قرار التطبيع من عدمه؟

• بالتأكيد لا..

○ كيف لا، وقد أدرجت أولويات حصول المواطن السوداني على حق العيش بسلام وحرية ضمن الأجندات الرئيسية التي اشترطت بموجبها عودة علاقاتها مع بلادكم؟

• أكرر بالتأكيد لا، الولايات المتحدة ليس لديها حرص على أي مواطن في العالم، فقط تهمها مصلحة المواطن الأمريكي. هناك مواطنون كثر يتعرضون لانتهاكات في العالم كما الحال في فلسطين المحتلة وبورما وبعض الدول في شرق آسيا والصين ولكن أمريكا تغض الطرف عن هؤلاء جميعاً لأن ذلك يتوافق مع سياساتها الخارجية ولكن من يخالف سياستها في اطار استقلال قراره السياسي كما هو الحال مع السودان تقف ضده بهذه الصورة الممنهجة والعدائية.

○ وهل استقلال القرار عندكم من شأنه ان يسهم في انشطار دولتكم إلى قسمين كما حدث مع الجنوب، وهناك الكثير من الولايات مهددة بالانفصال حالياً؟

• ليست هناك علاقة بين هذا وذاك، وانما بطبيعة الحال مشكلة جنوب السودان خُلقت في السابق كما تعلم من الاستعمار البريطاني في بدايات القرن الماضي، واستمرت تطعن خاصرة الاقتصاد والمجتمع السوداني بفعل التدخلات الأمريكية ودعمها للجنوب، وقد كان القرار الشجاع ان تعرض هذه القضية إلى الاستفتاء، فاذا أراد شعب الجنوب الانفصال فذاك حقهم، وقد قرروا ذلك وذهبت دولتهم إلى سبيل حالها وأقام شعب الجنوب هذه الدولة على وعود أمريكية ولكننا قدمنا لهم الدعم الأكبر من أجل الاستقرار.

○ على ذكرك لجنوب السودان هناك من يرى أن شعرة معاوية بينكم والولايات المتحدة لا تزال قضية استقرار جنوب السودان، بمعنى ان كل ما ترغب فيه الولايات المتحدة في هذه المرحلة هو استقرار دولة الجنوب ولا تُولي أي اهتمام لملف العلاقة معكم، هل صحيح هذا الأمر؟

• نعمل ما نراه مناسبا، لأن العلاقة بيننا وشعب الجنوب هي علاقة دم وثقافة اجتماعية تاريخية، نقوم بالواجب نحوهم من أجل الاستقرار والمصالح المشتركة، لا نفعل ذلك لأجل ان تستمر هذه الشعرة مع الولايات المتحدة أو تنقطع، الولايات المتحدة لا تقدم في هذا حوافز للشعب السوداني ولا للحكومة السودانية من أجل الاستقرار.

○ وانت تتحدث عن الاستقرار يجدر بنا السؤال عن شعب دارفور، هناك من يتحدث عن ان الحكومة أغفلت ملف النازحين واللاجئين والشاهد الآن وجود أكثر من مليوني شخص من النازحين واللاجئين داخل الاقليم ودول الجوار؟

• أرقام اللاجئين بالخارج هي غير الذي تحدثت عنه. والنازحون داخل الأراضي السودانية بعضهم رجع إلى قراه وبعضهم لا يزال في معسكرات النزوح، والدولة تبذل مع السلطة الاقليمية لدارفور جهودا كثيفة من أجل عودتهم إلى قراهم، وفي هذا نشكر دولة قطر الشقيقة التي ظلت تقدم كل أنواع الدعم التنموي والمادي للنازحين في السودان.

ولكن اللاجئين خارج حدود السودان يجب ان يكون هناك تعاون مشترك بيننا والأمم المتحدة باعتبار المواثيق الدولية، ونحن دولة عضو في منظومة الأمم المتحدة ولكنها عمليا لم تقدم أي معونات في عودة اللاجئين السودانيين إلى قراهم.

○ قضية دارفور وفي سياق الحوار الوطني الجاري حالياً في الخرطوم، سمعنا بمشاركة شخصيات غير معروفة في المسرح السياسي السوداني من قبل بينما المعنيون أصلاً بالقضية من قادة الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية الأخرى لا يزالون خارج دائرة الحوار، كيف إذاً سيتم التوافق؟

• بالتأكيد أنت لا تعرف كل قادة الحركات المسلحة وهي كثيرة جداً، «ولا أنا كذلك»، ولكن الذين يشاركون الآن كانوا في يوم ما يحملون السلاح ضد الدولة لكنهم ارتضوا مشروع السلام والحوار الوطني وعادوا ليناقشوا قضايا السودان والقضايا التي تواجه الحكم فيه والاستقرار، وهم الآن جزء من هذا الحوار، وكانوا في السابق جزءاً من عملية الحرب في دارفور.

○ .. ولكن الشاهد ان الحركة الشعبية لتحرير السودان وغالب حركات دارفور المسلحة الكبرى ومعظم القادة المعارضين في الأحزاب الكبرى غير منضوين لهذا الحوار الوطني الذي يصفونه بالشكلي؟

• الحوار هو مشروع وطني دعت إليه رئاسة الجمهورية كفكرة لجمع السودانيين للتوافق على معالجة المشكلات التي تواجه الحكم والاستقرار والتنمية كذلك، وعدد كبير من القوى السياسية الوطنية استجابت لهذا الحوار وأيضا عدد كبير من الحركات المسلحة، وبالتأكيد هناك جزء لم يستجب وما يزال المجهود مستمرا ليُشركوا هؤلاء في الحوار لوضع الصورة النهائية للحلول السياسية لهذه المشكلات، كثير من الأحزاب السياسية استجابت وسيُبذل مجهود من أجل اشراك الممانعين متى ما رأوا المصلحة الوطنية العليا في هذا العمل.

○ تتحدث الحكومة عن فشل الحوار في برلين، ما هي الأسباب الخفية من وراء ذلك؟

• ما جرى في برلين ليس جلسات حوار، وانما هي جلسات غير رسمية لتقريب وجهات النظر في بعض القضايا المطروحة بين الطرفين، في المرة السابقة اتفقنا على قضايا التطور المطلوب في الجلسة الأخيرة ولكن عاد قادة الحركة الشعبية قطاع الشمال وغيّروا كل ما تم الاتفاق عليه وهذه عادتهم في كثير من جلسات التفاوض.

○ هناك حديث عن العودة لاتفاق نافع – عقار الذي تم حوله اتفاق إطاري وقد رفضه حزبكم المؤتمر الوطني آنذاك ولكننا اليوم نشهد حديثا عن انه النموذج الأفضل للاتفاق بين الحكومة والحركة الشعبية، فلماذا هذا الارتداد والتقلبات في سياساتكم؟

• نحن لا نرجع للوراء في العملية السياسية ولكن الواقع يحكم عملية العلاقة بين الطرفين في التفاوض، لذلك بعد هذا الاتفاق عُقدت احدى عشرة جلسة للمفاوضات في اديس أبابا باثيوبيا وتمت مناقشة كل القضايا واتفقنا على الكثير منها حتى بلغنا نسبة 80% ولكن عادت الحركة الشعبية وألغت ما تم الاتفاق عليه وهذا هو دأبهم في عملية إطالة الحرب لأنهم لا يرغبون في تحقيق السلام ولا رفع المعاناة في جنوب كردفان والنيل الأزرق.

○ في سياق الحوار الوطني هناك من يتحدث عن ان حزب المؤتمر الوطني سنّ مؤخراً قانوناً عقابياً جديداً لمعاقبة المتظاهرين (وأنتم تسمونهم المتفلتين) بالسجن خمسة أعوام في حال المشاركة في أي عمل تظاهري (وتسمونه تخريبي) علما بأنه حالة من حالات التعبير عن الحريات في سياق التراضي الديمقراطي؟

• ليس هناك قانون جنائي جديد وانما هو القانون الذي أُجيز في عام 1991 نفسه ولم يُغير بعد، ولكن الواقع الآن أن السودان يشهد حريات واسعة جداً في ظل تهيئة المناخ العام للحوار الوطني، نحن لم نشهد مظاهرات بأي حال من الأحوال. هذا هو الواقع الماثل في السودان، لذا ليست هنالك تغييرات لقوانين وانما هو واقع يشهد اتساعا في الحريات العامة. هناك أكثر من 20 صحيفة سياسية تصدر يومياً وندوات تُقام في الطرقات والميادين العامة وفي دور الأحزاب، هذا هو الواقع الذي يجب ان يُشاهد في السودان والمعبّر عن تطور الحريات فيه.

○ أسمح لي أن أقول لك هذا غير صحيح.. أنتم تتحدثون عن الحوار الوطني، شهدنا قبل أشهر ايقاف 14 صحيفة سياسية في يوم واحد «وبقرار واحد»، كيف من شأن ذلك ان يسهم في عملية إتاحة الحريات لدعم الوفاق الوطني؟ وتعلم ان الحريات الصحافية تمثل أهم البنود التي تطالب بها الأحزاب الأخرى، حالياً ومع إنعقاد جلسات الحوار الوطني أيضا تم منع إقامة عدد من الندوات السياسية لأحزاب أخرى، بل وصدر مؤخراً قرار تعسفي جديد بايقاف صحيفة «التيار» ولا تزال موقوفة إلى الآن؟

• نحن في ظروف استثنائية على المستوى الأمني وتعلم ان هناك نزاعات مسلحة في أطراف السودان وحربا استمرت سنوات طويلة جداً، وفي مثل هذه الأوضاع الاستثنائية بطبيعة الحال تكون الحريات منقوصة نوعاً ما من أجل الحفاظ على الأمن الوطني، فما يجري هو حالة استثنائية جداً وتحدث في كثير من البلدان، وقد حدثت من قبل حتى في بريطانيا التي نحن فيها الآن، عندما تأثرت بقرارات مباشرة بايقاف كثير من الصحف أثناء الحرب في جزر الفولكلاند وذلك يجري من أجل حماية الأمن القومي. ولكن هامش الحريات عندنا يتطور يوماً بعد يوم والحوار الوطني يناقش الآن حزمة الحريات العامة كجزء من استكمال حلقة ايقاف هذه الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد.

○ الأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية الأسبق، صرح بأن حالة المواطن السوداني متردية وقاسية وان الواقع الاقتصادي مرير إلى حد بعيد وأنه لم يكن يعلم ذلك عندما كان نائبا أول للرئيس، وأشار إلى وجود هوة كبيرة بين دوائر صناعة القرار في الحكومة والمصادر المعنية بنقل المعلومة لقمة هرم السلطة، كيف تفسّر ذلك؟

• هو بالتأكيد يعلم بها عندما كان نائبا أول، والواقع الاقت