&&ثائر عباس

حذر نائب رئيس مجلس النواب اللبناني فريد مكاري من أن حزب الله المدعوم من إيران يريد ما هو أبعد من الرئاسة اللبنانية، ويسعى لتعديل الدستور من أجل المشاركة الفعلية والدائمة في السلطة التنفيذية، معتبرا أن الدور الإيراني في المنطقة «سلبي جدا». ورأى أن تفكك قوى «14آذار» أراح حزب الله في لبنان وجعله أكثر قدرة على القتال في سوريا والعراق واليمن، لأنه لم يعد يجد من يواجهه في لبنان.

واعترف مكاري الذي يعد من الحلفاء المقربين من رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري بأن العلاقة بين «المستقبل» و«القوات اللبنانية» اهتزت بشدة، متهما رئيسها سمير جعجع بأنه «أنهى قوى (14آذار) بعد أن عجز عن تزعمها».

وانتقد مكاري فرنجية لوصفه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بأنه «سيد الكل». وقال: «حرّ في اختيار السيّد الذي يريده. أما بالنسبة إليه كمرشح لرئاسة الجمهورية، فالدستور يجب أن يكون سيّد الكلّ».

وفي ما يأتي نص الحوار:

&

* ماذا تتوقع من جلسة اليوم المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية؟

- لبنان بلد المفاجآت، وإذا لم تحصل أعجوبة، أعتقد أن زمن الصوم الرئاسي سيستمر. لم تكتمل الظروف بعد لحصول الانتخاب. رغم كل التطورات، لم تتغير المعطيات بعد.

* ما أفق الانتخابات الرئاسية، في ظل الاصطفافات الحالية؟

- من يسمع خطاب السيد حسن نصر الله، يكتشف أن العماد ميشال عون نام مسرورا، وفي الوقت نفسه نام الوزير سليمان فرنجية مرتاحا أيضا، لكن في المحصلة فإن الشعب اللبناني بات ليلته من دون رئيس، ونامت الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى.

الترشيحات المتقابلة من قبل الرئيس الحريري ومن الدكتور سمير جعجع، مضافا إليهما الوضع الإقليمي، توحي أن لا انتخابات رئاسية. وأنا لا أقصد بكلامي أن الرئيس الحريري لا يريد رئيسا للجمهورية، بل بالعكس، وكذلك الدكتور جعجع. لكني أعتقد أن حزب الله ليس مستعجلا على هذا الموضوع.

* لماذا؟

- لسببين: الأول أن الظرف الإقليمي لا يسمح بعد، وهم غير مستعدين - مع إيران - لإعطاء ورقة للتحالف الذي يقف في مواجهتهما في المنطقة. أما السبب الثاني فهو أن حزب الله تواق إلى الشراكة في السلطة التنفيذية في لبنان بطريقة ثابتة. فالوضع الحالي مثلا يعطي الطائفة الشيعية حق المشاركة في القرارات الأساسية من خلال تسلمه وزارة المال التي يتوجب توقيع وزيرها على معظم القرارات الحكومية. لكن هذا الوضع ليس ثابتا، فالوزارة تتنقل بين الطوائف اللبنانية في كل حكومة، ولهذا يريدون المشاركة من خلال موقع رسمي يتم استحداثه في السلطة التنفيذية من خلال تعديل للدستور كموقع نائب رئيس الجمهورية أو غيره.

* هل يحتاجون سلة تتضمن إبعاد الرئيس سعد الحريري عن رئاسة الحكومة أيضا؟

- هم حصلوا على موقع رئاسة الجمهورية من خلال حليفيهما المرشحين، فعون حليفهم، وفرنجية واحد منهم. ونزول الحزب إلى البرلمان للمشاركة في الانتخاب يعطي المنصب لأحد حليفيه، وعدم نزولهم إلى مجلس النواب هو رسالة واضحة تفيد أنهم ينظرون إلى الاستحقاق من خلال سلة شاملة بانتظار الفرصة الإقليمية التي تسمح بتعديل الدستور، أنا أعتقد أن أكثر شخص يريدونهم رئيسا للحكومة هو الرئيس الحريري، لكن من ضمن السلة المتكاملة، لتغطية ما يريدون أخذه.

* إذا انطلقنا من هذه النظرية فهذا معناه أن لا رئاسة في المدى المنظور..

- وهل ثمة من يرى غير ذلك. لم يعد هناك موعد محدد لانتخاب رئيس للجمهورية. الأمر لم يعد يحسب بالأيام والشهور.

* ما رأيك بكلام نصر الله الأخير؟

من أكثر ما لفت انتباهي أيضا أن السيد حسن قال إن الحزب لم يستشر حلفاءه وطبعًا لم يستشر أيًّا من اللبنانيين - قبل الذهاب إلى سوريا لأنه كان أخذ القرار بذلك ولم تكن تهمه أية آراء أخرى. باختصار: من قام بـ7 مايو (أيار) 2008 عندما اجتاح حزب الله بيروت ومناطق أخرى يريد أن يقنعنا بأنه لا يضغط على حلفائه ويترك لهم حريتهم. هذا الكلام لا يقنعني خصوصا أنه صادر من حزب اعتدنا أن نراه غير مهتم بآراء اللبنانيين ومواقفهم، وكان ينزل إلى الشارع في كل مرة يريد أن يفرض رأيه علينا.

* ماذا عن موقف الرئيس نبيه بري؟

- الرئيس بري كان واضحًا ومنسجمًا مع نفسه. هو فقط اضطر إلى أن يقول علنًا ما كان الكل يعرفه. ويا ليت حزب الله يقول هو أيضًا علنًا ما يضمره.

* لماذا لم يتم ترشيح فرنجية رسميا من قبل تيار «المستقبل»؟

- ترشيح فرنجية هو ترشيح من ضمن مسعى لإيجاد حل لمسألة الرئاسة. لكن عندما ترى أن حليف فرنجية (حزب الله) لم يتحمس للموضوع، فعندها تدرك أن المسألة غير مفيدة الآن. الرئيس الحريري قد يرشح فرنجية هذا الأسبوع، لكني لا أرى الأمر مفيدا في ظل الواقع القائم.

* كم أثر هذا الترشيح على علاقتكم بحلفائكم؟

- كلام الوزير فرنجية يظهر بشكل واضح أن نحو 15 اجتماعا عقدت بين القوات وتيار المردة بحثا فيها الموضوع، لكن لم تصل الأمور إلى نتيجة. إن عدم قبول القوات بترشيح فرنجية، لا يعني أن الحريري لم يبلغهم بالأمر مسبقا فالرئيس الحريري طرح موضوع ترشيح فرنجية على جعجع في باريس قبل نحو ستة أشهر.

وإذا نظرنا إلى تاريخ العلاقات بين الحريري وجعجع، نجد أنها مرت بمطبات كثيرة لا بد أن نعترف بها. هذه ليست أول مرة يكون هناك اختلاف في مفاصل أساسية. ففي قانون الانتخاب مثلا، سار جعجع بالقانون الأرثوذكسي (الذي يعطي لكل طائفة حق انتخاب نوابها) من دون علم الحريري، في الوقت نفسه كان يبحث مع الحريري في قانون مختلط، وأنا كنت الوسيط بينهما. وقد أعلن جعجع تأييد الأرثوذكسي من دون علم الحريري ولا الوسيط. وإذا أردت أن أعدد التجاوزات من قبل القوات باتجاه تيار «المستقبل»، وقوى «14آذار» فالقائمة طويلة جدا.

* كيف سيؤثر هذا على الوضع داخل «14آذار»؟

- أعتقد أن قوى «14آذار» لم تعد موجودة على أرض الواقع تنظيميا، على الرغم من أن أفكارها ومبادئها لا تزال موجودة. قناعات الناس لا أحد يستطيع أن يغيرها.

* وما هو مستقبل العلاقة بين القوات والمستقبل؟

- هذه العلاقة اهتزت بشكل كبير. لكن في السياسة لا يوجد شيء نهائي، فقد تجمعهما المصالح مستقبلا أو تفرقهما. علاقتي الشخصية مع القوات لا تهمني، لأنني خارج اللعبة الانتخابية. ما يهمني المحافظة على قناعتي السياسية التي هي ذاتها مبادئ 14، رغم التفكك الموجود بين الحلفاء. ولكنّ الأهم أن كل أسس التحالفات السياسية الحالية اهتزت، والثقة اهتزت، وهذا نتيجة مجموعة تراكمات. 14 باقية كمبادئ وروح وضمير شعب، لكنني أعتقد أنها انتهت تنظيميًا، وربما هذا أفضل لكي تستعيد زخمها الشعبي.

* إلى متى الجمود في عمل مجلس النواب؟

- موقفي من ضرورة تنشيط عمل مجلس النواب لم يتغير منذ حصول الفراغ الرئاسي وحتى اليوم. أنا لم أعتبر يوما أن الفراغ الرئاسي قصير المدى، ولم أكن مقتنعا أن مقاطعة مجلس النواب ستوصلنا لانتخاب رئيس للجمهورية. الفريق الآخر ليس مهتما كثيرا بحياة المواطنين ولا يبالي بتفعيل المجلس من عدمه. اليوم من ضمن تفعيل العمل الحكومي، صرت أكثر إصرارا على تفعيل عمل مجلس النواب فتكفينا مصيبة واحدة بعدم وجود رئيس جمهورية، فهل نزيد عليها مصيبة عدم وجود عمل برلماني؟

* إلى أي مدى يستطيع لبنان الصمود في وجه المتغيرات الإقليمية؟

- الوضع الأمني ممتاز، كما أن كل الاجتماعات التي تجري بين الأطراف الإقليمية والدولية المؤثرة تشدد على الاستقرار الأمني في لبنان. أما الوضع المالي اللبناني فالوضع سليم، لكن الوضع الاقتصادي سيئ. وإذا استمرت الحكومة بالدفع الجديد ووجود حرص من الجميع على الدفع بالعمل الحكومي، فالأمور تسير بشكل جيد. لكن إذا سقطت الحكومة فالوضع مرشح للانهيار سياسيا واقتصاديا وماليا. اليوم البنك المركزي وضعه جيد جدا، والبنوك تشهد ربحية لا بأس بها.

الوضع الإقليمي غير واضح المعالم بعد. فلا يزال الطريق طويلا لإيجاد حل للأزمة السورية، رغم القانعة التامة بأن حل الأزمة هو حل سياسي فقط. الوجود الروسي حرك الأمور، لكن كيف ستنتهي الأمور غير واضح بعد.

* ما رأيك بالدور الإيراني في المنطقة؟

- هو تدخل في شؤون لا تخصها. المشكلة أن الإيرانيين وجدوا الساحة خالية أمامهم للعب في غياب الدور الأميركي المتراجع في المنطقة. إيران تتحدى المجموعة العربية ككل، ودورها في المنطقة سلبي جدا وغير بناء.

تراجعنا كقوى «14آذار» أراح حزب الله في حربه السورية، فنحن فقدنا القدرة على المواجهة مع الحزب، ولم نعد قادرين على إزعاجه. لا أحد ينسى أننا خضنا عمليتي انتخاب في مواجهة حزب الله وفزنا بهما بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005. لكن بعد عام 2009 وغياب سعد الحريري عن الساحة ارتاحوا، فذهبوا إلى سوريا، ومنها إلى العراق واليمن. نحن لم نعد قادرين على الوقوف بوجههم، حتى إعلاميا، لأن وسائلنا الإعلامية لم تعد قادرة على الاستمرار أيضا.

* وماذا عن خروج لبنان على الإجماع العربي؟

- هذا الموضوع أخذ بحثا كبيرا على طاولة الحوار، وقد حاول الوزير باسيل تبرير ما قام به، لكن تبريراته لم تكن مقنعة لقسم كبير من المشاركين في طاولة الحوار. كان الوزير باسيل قادرا على الاعتراض على البيان العربي الذي يسمي حزب الله كمنظمة إرهابية ويصوت على القرار العربي الرافض لمهاجمة السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران. هذا الموقف جعل لبنان في موقف الخارج عن الإجماع العربي، وهو آخر ما نريده كلبنانيين آثرنا دائما الوقوف مع الإجماع العربي. والمشكلة أنه أعاد الكرة في أكثر من مناسبة. موقف الوزير باسيل هو موقف لإرضاء حزب الله في لبنان على حساب العلاقات اللبنانية - العربية من أجل الانتخابات الرئاسية في لبنان، وهذا غير جائز.

* كيف تنظر إلى مصالحة القوات والتيار؟

أي مصالحة بين أي فريقين لبنانيين محببة وتجلب الخير، وفي الوقت نفسه طمأنت الشارع المسيحي إلى حد ما. لكن يا ليت هذه المصالحة حصلت قبل 30 عاما لأنها كانت وفرت كثيرا من الدماء والدمار الذي أصاب لبنان والمسيحيين تحديدا.

* لقد توجت هذه المصالحة بترشيح «القوات» للعماد عون لرئاسة الجمهورية، فلماذا تعترضون على الإجماع المسيحي؟

- هناك استغراب لترشيح القوات للعماد عون، لأن العماد عون لم يقدم أي شيء يثبت أنه يمكن أن يكون رئيسًا وسطيًا أو توافقيًا. فعلى الرغم من هذه المصالحة، لا يزال العماد عون جزءا من تحالف قوى «8آذار» وهو أثبت ذلك من خلال مواقف الوزير جبران باسيل في المؤتمرات العربية والإسلامية.

* ألا توافق على البنود العشرة

- هي ليست أكثر من عموميات مطاطة. فهذه البنود معظمها من مبادئ التيار الوطني التي تؤمن بها قاعدته، ومع ذلك هو يقنع جمهوره بأن تحالفه مع 8آذار لا يتناقض مع هذه المبادئ. أما بالنسبة إلى بند الالتزام باتفاق الطائف، أصلاً التيار الوطني ارتضى الانخراط منذ عام 2005 في منظومة الطائف، مرغما وليس بطلا. ذلك أنه لا يمكنه واقعيًا أن يمارس العمل السياسي إلا عبر دخول هذه المنظومة..

* لقد قلتم دائما إن تيار «المستقبل» يماشي إجماع المسيحيين.. فها هم قد اجتمعوا..

- نعم كان تيار المستقبل يقول نمشي مع كل ما يتفق عليه المسيحيون، ولكن من قال إن المسيحيين هم فقط طرفا تفاهم معراب؟ المسيحيون أيضًا حزب الكتائب والمردة والنواب المستقلون وغير المنتمين إلى أحزاب أو المناصرين لهذه الأحزاب.

* هل يمكن أن تعتبر أن انعطافة جعجع هي بسبب قراءته للأوضاع الإقليمية؟

- هناك بعض الآراء تعتقد ذلك ولكن أنا شخصيًا لست من المقتنعين بهذا الأمر. يعتقد جعجع أنه أصاب عدة عصافير محلية بحجر واحد، لكني لا أوافق القائلين بهذا الرأي. فأهم ما في 18 يناير (كانون الثاني) - موعد إعلان التفاهم مع القوات - ما يعتقد جعجع أنه حققه، فهو يعتقد أنه أولا عطل انتخاب فرنجية، وثانيا أنه بيّن أن وصول عون غير ممكن لأسباب تتعلق بالخصوم والحلفاء على السواء، وثالثا أنه فرّق ما بين مكونات 8 آذار، ورابعا أنه فضح عدم رغبة حزب الله بانتخاب رئيس، وخامسا أنه أصبح شريكًا مضاربًا في مناطق انتخابية عدة أظهرت الانتخابات السابقة ضعف قوته الانتخابية فيها. وسادسا أنه كسب كثيرًا في الرأي العام المسيحي وبرأ ذمته لدى العونيين، وسابعا أنه طرح نفسه وريثًا لجمهور العماد عون، وأنه أصبح ناخبًا رئيسيًا.

لكن في المقابل، فإن جعجع أنهى 14 آذار كتنظيم بعد أن حاول أن يتزعمـه ولم ينجح رغم غياب الرئيس سعد الحريري. لا شك بأنه عمل سياسي ذكي، ولكن المؤسف أنه ضرب الثقة أيضًا داخل فريق 14 آذار، بعد سلسلة ضربات أخرى.

* ماذا عن ترشيحكم لفرنجية؟

- ترشيح فرنجية مستمر، ولكن الرئاسة كلها محبوسة حاليًا. الشغور هو المرشح الحقيقي والفعلي لحزب الله. هو نفى ذلك، لكنه عمليًا أثبته.

* فرنجية وصف نصر الله بأنه «سيد الكل»؟

- الوزير فرنجية حرّ في اختيار السيّد الذي يريده، أما نحن فنفضّل سيادة الدولة. أما بالنسبة إلى الوزير فرنجية وكونه مرشحًا لرئاسة الجمهورية، فالدستور يجب أن يكون سيّد الكلّ بالنسبة إليه.

* هل ستنتهي الأمور بالعودة إلى المرشح الوسطي؟

- الخارج عاد إلى الحديث عن هذا الموضوع، وأنا أعتقد أن هذا هو المخرج المنطقي بسب العراقيل التي توضع أمام انتخاب فرنجية أو عون. عموما عندما لا يعود الاستحقاق الرئاسي عرضة للتعطيل، تصبح الحلول سهلة.

* ماذا عن الانتخابات البلدية؟

- إضافة إلى أهميتها المحلية والتنموية، أعتقد أن الانتخابات البلدية تعيد إطلاق الآلة الديمقراطية في لبنان، وهي قد تشكل حافزًا معنويًا على الأقل لإجراء الانتخابات النيابية، رغم اختلاف طبيعتها عن النيابية، ورغم أن اللوائح فيها غالبًا ما تكون ائتلافات عائلية وحزبية، أعتقد أنها إما أن تكون الترجمة الانتخابية الأولى للتغيرات في المشهد السياسي، أو أنها ستُظهر على العكس أن الواقع الانتخابي لا يزال على حاله رغم المعطيات السياسية الجديدة.

&

&