علي بن حمد الخشيبان

&صناعة الأعداء أسهل بكثير من بناء الصداقات بين الدول وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي دخلت القرن العشرين الماضي مثقلة بالانقسام والضعف، ومن المعروف أن هناك تناسباً طردياً بين درجة الضعف وبين الاستعداد للعداء مع الآخرين والهجوم عليهم، حيث إن فقدان القوة والثقة يعتبر من أسباب انحسار استخدام المنطق والتفكير، لذلك تتصاعد فكرة العداء والانتقام، هذه الفكرة يمكن قراءتها بكل بساطة في منطقة الشرق الأوسط تحديداً حيث يوجد تاريخ حافل بالعداء في المنطقة وارتباط شديد بنظريات المؤامرة والتحالفات الخلفية.&

منطقة الشرق الأوسط كانت جاهزة لأي استفزاز سياسي يمكن أن يصعد فكرة المواجهة والعداء بين دولها، مع أن دول الشرق الأوسط حاولت تفادي فكرة الثنائيات المنتشرة، حيث حاولت الدخول في منظومات سياسية سميت اتحادات عربية وإقليمية..

&المشهد السياسي في المنطقة وبين دولها يواجه حقيقة مهمة تتمثل في انحسار كبير في الموقف الأميركي حول المنطقة، ولعل هذا السؤال شكل هاجساً كبيراً للجميع، فتراجع أميركا ارتبط بكثير من التساؤلات المهمة: هل نحن في بداية عهد الضعف الأميركي أم نحن في مرحلة تقوية الشرق الأوسط للاعتماد على نفسه أم نحن أمام ظاهرة سياسية جديدة تمارس صناعة الأعداء من جديد في الشرق الأوسط أم هو سايكس وبيكو جديد.

&

الجميع يعلم أنه بعد الحرب العالمية الثانية تكفلت الولايات المتحدة الأميركية بنمطقة الشرق الأوسط بشكل كبير، لذلك صنعت نظرية الاعتماد عليها في المنطقة وتكفلت أميركا بإدارة كل مشكلات المنطقة وفقا لمصالحها الاستراتيجية (السياسية والاقتصادية)، والحقيقة أن هذه النظرية أضحت تواجه الكثير من النقاشات والحوارات في أميركا وخاصة حول استمرارية أميركا كراعٍ مندمج بشكل عميق في مشكلات المنطقة ومدى انعكاس ذلك على الأمن القومي الأميركي، وأعتقد أن الحرب الروسية على أفغانستان قبل حوالي أربعة عقود تقريباً أسهمت في نقل هذه المناقشات حول الدور الأميركي في منطقة الشرق الأوسط من مرحلة النقاش إلى مرحلة البحث عن إجراء فعلي.

&بنظرة تاريخية يمكننا مشاهدة حجم العداء الذي صنع في المنطقة انطلاقاً من الثمانينات الميلادية في القرن الماضي والتي أنتجت مجموعة من الثنائيات السياسية والاقتصادية حيث ولدت وبشكل كبير ثنائية الطائفية (سنة شيعة) مع ولادة الثورة الإيرانية وظلت تتصاعد، وولدت ثنائية اقتصادية ساهمت في تباعد كبير بين دول المنطقة (الفقر والغنى) وولدت ثنائية أعمق في الأيديولوجيا الدينية في المنطقة حيث إن صعود فكرة ولاية الفقية في الفضاء الشيعي قابله صعود فكرة الخلافة في الفضاء السني (ولاية الفقية في مقابل فكرة الخلافة)، في ذات التوقيت كرست من جديد ثنائية سياسية كانت موجودة وتم إدراجها من جديد في منظومة الثنئيات السياسية (الرسمالية، الشيوعية).

&

منطقة الشرق الأوسط كانت جاهزة لأي استفزاز سياسي يمكن أن يصعد فكرة المواجهة والعداء بين دولها، مع أن دول الشرق الأوسط حاولت تفادي فكرة الثنائيات المنتشرة، حيث حاولت الدخول في منظومات سياسية سميت اتحادات عربية وإقليمية فقد وجد مجلس تعاون في الخليج وولد مجلس مماثل في منطقة شمال أفريقيا كما حاول العراق ومصر والأردن بناء منظومة اتحادية، والحقيقة أن هذه الاتحادات جميعاً لم يصمد منها إلا واحد فقط هو مجلس التعاون الخليجي والذي صمد كمؤسسة سياسية تلعب هذ اليوم دوراً مميزاً يؤهلها لقيادة المنطقة بكاملها.&

ولكي نفهم ظاهرة صناعة الأعداء في المنطقة وأهدافها فإنه لابد من حصر لحجم القضايا في هذه المنطقة، فمنذ الحرب العالمية الثانية وحتى بداية الثمانينات كانت هناك أحداث كثيرة ظهرت في تاريخ المنطقة، ولكن ماتعرضت له المنطقة منذ الثمانينات الميلادية وحتى اليوم يعتبر كبيراً جداً، منطقة الشرق الأوسط ومنذ أربعة عقود تقريباً وجدت نفسها أمام مفترق طرق في الأزمات فبعدما كانت القضية المحورية في المنطقة هي احتلال إسرائيل لفلسطين حدث تحول جذري بعد الثمانينات الميلادية وبدأنا نشهد صعوداً لأزمات داخلية تخص المنطقة.&

السؤال المهم يدور حول صناعة إيران والثورة الإيرانية ومدى تأثير ذلك على القضايا العربية في منطقة الشرق الأوسط وما أقصده هنا احتلال إسرائيل لفلسطين، فمنذ الثورة الإيرانية دخلت المنطقة كما ذكرت في ثنائيات جديدة فبعدما كان العرب يعيشون ثنائية الاحتلال والمقاومة مع إسرائيل أصبحوا يعيشون عشرات الثنائيات –سنة شيعة – فقر وغنى – رأسمالية واشتراكية – ولاية فقيه وخلافة – مقاومة وممانعة – الخ.... من تلك الثنائيات.&

لم تستطع الدول في الشرق الأوسط أن تحتفظ بهذه الثنائيات محصورة في الكيانات السياسية لذلك فإن الخطورة أصبحت تكمن في أن كل فرد في الشعب العربي يعيش هذه الثنائيات ويتفاعل مع مؤثراتها وهذا ما ساهم في صناعة الأعداء في منطقة الشرق الأوسط سياسياً وجماهيرياً واقتصادياً، اليوم وبعد أحداث الربيع العربي تتصاعد فكرة صناعة الأعداء في الشرق الأوسط وتساهم في ذلك أميركا في المقام الأول كنتيجة لتراجعها في المنطقة، ليبقى السؤال: إلى أين يمكن أن تذهب ظاهرة صناعة الأعداء بمنطقة الشرق الأوسط..؟.&

اليوم يبدو الورم السياسي في منطقة الشرق الأوسط يتشكل في سورية والعراق ولذلك نشهد الكثير من الاستفزازات وعمليات سياسية متبادلة بين الدول في منطقة الشرق الأوسط عطفاً على تراجع متعمد من أميركا، مما ساهم في اختبار دول الشرق الأوسط لنفسها لممارسة قيادة أدوار متعددة فقد خلف التراجع الأميركي في المنطقة ظهور مؤشرات العداء في المنطقة وتحديداً الطائفية، الإسلام السياسي، الإرهاب، السيطرة والنفوذ، التحولات الاقتصاددية.&

كل ما تتعاطاه المنطقة اليوم يتمثل في ممارسات سياسية تحاول بكل قواها أن تتميز بالذكاء وممارسة النفوذ من أجل تحقيق مصالحها، وهذا يدفعنا للتوقع بأن منطقة الشرق الأوسط تصنع من جديد ولكن على حساب منْ هذه المرة ومن سيدفع الثمن هل هناك دول سوف تدفع الثمن عبر تقسيمها أم سيكون هناك دين بأكمله سوف يدفع الثمن عبر الطائفية، أم ستدفع الثمن شعوب سوف تقحم في حروب طائفية وجغرافية..؟ التوقع ليس عملية سهلة ولكن المؤكد أن صناعة الأعداء في منطقة الشرق الأوسط وفقاً لثنائيات متعددة أصبحت هي الأكثر بروزاً في الأفق السياسي لمنطقة الشرق الأوسط.

&

&