جيمس جيفري

إن تفاقم الأحداث في الشرق الأوسط الحافل أكثر من أي وقت مضى بتصعيدات صادمة ومزعزعة للاستقرار، خاصة إذا ما تم أخذ كل من هذه الأحداث بشكل منفرد، قد يُخبئ النزعات الضمنية التي تدفع بالمنطقة إلى كارثة محتملة. وكلما طال تجاهل الولايات المتحدة للشرق الأوسط، تسارعت وتيرة تولي اللاعبين الإقليميين لزمام الأمور بأنفسهم، ومواجهة بعضهم البعض في ظروف نزاعية، وتحولهم إلى أعداء لدودين. وهذا يجعل من شبه المستحيل على الولايات المتحدة بناء تحالفات عاملة مجدية وإيجاد شركاء من دون أن تضطر إلى الانقضاض على بعضها البعض عندما يحين الوقت لانخراط واشنطن في الشرق الأوسط.


وكما لفتت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية مؤخراً، إلى أن عدم تمكن الولايات المتحدة من الرد بأي طريقة بارزة على التدخل الروسي قد شكَّل القشة التي قصمت ظهر البعير. فقبل التدخل الروسي، كانت واشنطن قد فشلت في الرد على سلسلة من الاستفزازات الإيرانية في ديسمبر، بدءاً من إطلاق الصواريخ الباليستية، مروراً بحظر طفيف على التأشيرة الأميركية ووصولاً إلى اصطدام وشيك بناقلة أميركية في مضيق هرمز. وبالتأكيد أن الرد الأميركي الضعيف على إيران لإذلالها بحارة أميركيين أُلقي القبض عليهم دون أي مقاومة لن يعكس نظرتها الخافتة حول الالتزام الأميركي الثابت.


وفي سورية، اتّبعت تركيا سياسة تهدف إلى الإطاحة بنظام الأسد منذ 2012. ووفقاً لذلك، فإن انتشار القوّات الروسية في سورية لتعزيز نظام الأسد في أواخر 2014 قد أغضب أنقرة. وبعد ذلك حاولت تركيا فرض منطقة حظر جوي بحُكم الواقع بالقرب من حدودها في سورية، والتي قامت روسيا بانتهاكها، مما أجبر تركيا على إسقاط الطائرة الروسية.


المواجهة مع روسيا دفعت تركيا إلى الاقتراب أكثر من واشنطن، إلا أن الوقائع لا تزال تظهر أن أنقرة مستاءة من عدم قيام الولايات المتحدة بما يكفي لإنهاء وحشية الأسد في سورية. وبالتالي، ستعمل تركيا من وراء ظهر واشنطن لتأمين التغطية للثوار المعارضين للأسد. ومن دون إحداث تغيير جذري في رؤية إدارة أوباما للعالم فإنه من الصعب تخيّل إدراكها لما خلفته سياساتها في بهجة يغذيها نصر متواضع في قمة المُناخ، والتقارب الغريب من عائلة كاسترو، والاتفاق النووي مع إيران.


نحن اليوم أمام تفاقم الصراع في الشرق الأوسط، فقبل شهرين لم يكن هناك خلاف تركي- عراقي حول انتشار القوات العسكرية التركية، وقبل 4 أشهر لم يكن هناك صراع تركي- روسي، واللائحة طويلة. فكلما تجاهلت الولايات المتحدة الشرق الأوسط كلما عمل اللاعبون الإقليميون بصورة أكثر على مسك زمام الأمور بأنفسهم، الأمر الذي يخلف المزيد من الفوضى في المنطقة.


إذاً، لقد أصبح إنهاء الحرب في سورية ووضع حد لوحشية الأسد أكثر صعوبة حالياً، وبالتالي إنهاء المحركات الرئيسية لعمليات التجنيد التي يقوم بها تنظيم "داعش". إن المزيد من التأخير في انخراط الولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد يعود على أميركا بسياسة خارجية موازية لعقدة مستعصية.